المقالاتغير مصنف

تقديم كتاب”تحت السلطة” (إدريس مقبول)

الكاتب: خالد العسري

الكتاب: تحت السلطة: أزمة التمثيلية الانتخابية في المغرب

الناشر: دار إفريقيا الشرق

في هذا الكتاب يأخذنا الباحث الدكتور خالد العسري _المتمرس في القانون الدستوري_  في رحلة مشوقة يجول بنا في رحاب تجارب غربية وشرقية في بناء الدساتير وتعديلها مقارنا تارة وفاحصا ناقدا تارة أخرى ومستخلصا العبر والدروس من تجارب دستورية عرفت نجاحات وأخرى منيت بإخفاقات مريرة، يحاول في كل ذلك-وهو يفكك دستور 2011- أن يربط الفكرة بأصولها في التراثين العربي والغربي بمهارة ودقة.

يعد الدستور في تاريخ الأمم إنجازا حضاريا حين تكتمل حلقاته وتتم شروطه التي يأتي على رأسها تجسيده لإرادة الجمهور ولسيادته، ولأجل هذه الغاية النبيلة يسعى الحكماء الذين ينتدبهم الجمهور بكافة ألوانه وشرائحه أن يكونوا صوته وضميره في صياغة هذه اللحظة السياسية الفارقة في التاريخ، والتي تحدد مستويات المسؤولية والسلطة في ذات الوقت، السلطة التي هي إرادة الشعب في حفظ التعايش والسلم الاجتماعي وتكريس دولة الحقوق..

من مهمات الدستور تحديد شكل النظام السياسي وملحقاته التي تدقق هويته، إلى جانب تحديد الصلاحيات وترسيم حدودها، فرئيس الدولة وإن كانت له صلاحيات وسلطات يمنحها الدستور لموقعه ووظيفته، فإن إحاطته بالمراقبة الضرورية النافعة غاية في الأهمية مهما كان اقتداره التدبيري ومهما كان ورعه وتقواه.

وبالقدر الذي يعتبر فيه الدستور ناجحا في تمثيله لروح التوافق بين كل القوى المجتمعية والسياسية، يكون كذلك حين يحرص على الفصل بين السلط وتوزيعها بين المؤسسات، بحيث تملك كل مؤسسة كبح جماح السلطة الأخرى والحد من انتشارها الفاسد، فالبرلمان يملك استجواب السلطة التنفيذية، وسحب الثقة منها مثلما يملك مجلس الوزراء حل البرلمان، وهكذا يكبح كل جماح الآخر بما يكفل التزام كل مؤسسة بالشرعية، كما يملك القضاء الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة بحيث يلغي كل قانون يتصادم مع الدستور.

وضع الدستور يجب أن يكون تعبيرا عن لحظة نضج حقيقي، لحظة يتمخض فيها “الفعل” و”الفكر” كلاهما عن إبداع للسلطة التي تصنع الفرق بين عهدين وبين زمنين، ولهذا ليس غريبا أن تعد الشعوب المتحضرة ميلادها بميلاد دستور جديد..

وضع الدستور هو وضع “لفكرة السلطة” في إخراج جديد يجب أن يطبعه الطابع الإنساني والحقوقي بدل الطابع “الاستبدادي” أو “النخبوي”، فالدستور ليس “فعل حكومة، وإنما هو فعل شعب يُكَوِّن حكومة” كما تخبرنا حنة أرندت، ومن هنا كانت الحاجة في فرنسا وأمريكا إلى جمعيات تأسيسية ومؤتمرات خاصة مهمتها الخاصة هي كتابة مسودة الدستور، لعرضها على الشعب الذي يقرر بشأنها بعد مناقشات لكافة بنودها، حتى يكون هو من يمنح الحكومة دستورا وليس العكس.

يمتاز كتاب “تحت السلطة” بمزايا كثيرة منهجا وموضوعا، رؤية وأفقا، فقد كان لصاحبه الدكتور خالد العسري لمسته الخاصة والمبدعة في تناول الموضوع وعرضه، وتأصيله وتفصيله، فجاءت فقراته ومباحثه متصلة بعضها ببعض، متوسلة بكافة أساليب الاستدلال والبرهان القانوني والدستوري، تأخذ بك إلى نتيجة البحث النهائية بسلاسة ودون تعسف.

 في دراسته لدستور 2011 كان هناك سؤال جوهري يوجه مسيرة البحث، سؤال: كيف يمكن أن يصنع الدستور الفرق بين مجتمعات متقدمة وأخرى ظلت رهينة التخلف الزمني و”تحت السلطة”، هذه واحدة من مسائل الكتاب التي يجد القارئ جوابها مبسوطا بأكثر من طريقة…

إن أهمية هذا الكتاب تكمن فيما سعى إليه الباحث – بذكاء وتمرس واضحين- من برهان تاريخي وقانوني دستوري على أن هناك أزمة في مفهوم “التمثيل الشعبي” في النظام السياسي المغربي؛ أزمة حين يصبح التمثيل مجرد آلية شكلية (جزء من ديكور ديمقراطي)،لا تمنح هذه الآلية صلاحيات لتمثيل السيادة الشعبية والإرادة الشعبية..لحظة سياسية تجعل الهيئات المُنْتَخَبَة تحت سلطة غيرِ منتخبة..تحته بالضرورة وليس بالإرادة كما يقول روسو في حديثه عن حق القوي..سلطة اتخاذ القرار في الشأن الداخلي كما في الشأن الخارجي..”تحت السلطة” وضع شاذ في الديمقراطية..لأنه باختصار استبداد مُقَنَّع..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق