المقالات

اللغة والسياسة:(رشدي بويبري)

       تلازم اللغة والسياسة أمر شائع وقضية معروفة يسلم بها أغلب اللسانيين والمفكرين. والكثيرون يعتبرونها من أخطر أدوات ممارسة السلطة والتأثير في العامة. وقد عملت كل أنواع السُّلطة السياسية عبر مختلف الأزمنة على استثمار اللغةَ استثماراً يحقّقُ لها شرعيتها ويثبت سيطرتها. فهي، أيْ السُّلطة، الأقدر على هذا الاستثمارِ لأنها المالك الحقيقي والأساس لوسائل إنتاج اللغة كالإعلام والصحافة والكتَّاب.

       وتتحدد خطورة اللغة في كونها الأداة النافذة التي تستطيع بها السلطة السياسية أن توجّه الجماهير وتغيِّر الرأي العام حول أية قضية وأن تحكم قبضتها على العقل الجَمعيّ للشعب. وتوظيف اللغة في السياسة أدى إلى تغيير عدد من المفاهيم والأفكار حول كثير من القضايا المتعلقة بالدّولة والسياسة، كالمواطنة والديمقراطيّة والحريّة والعدالة والمساواة والإرهاب وغيرها من المفاهيم المجردة التي تأسست بتأسيس الإنسان المجتمعي مروراً بإنسان الوطن والدّولة. فاللغة حسب عبد السلام المسدي سلطة في ذاتها، والسياسة هي السلطة بذاتها ولذاتها، فبواسطة اللغة يمارس الفاعل السياسي تأثيره في الناس وهو واع بسلطة لغته[1].

       إن اللغة أداة حاسمة في الخطب السياسية، من خلال ألفاظها القوية المستعملة يتم استمالة الجمهور بطريقة مقنعة، حيث تدفعهم اللغة السياسية إلى الشعور بالانتماء إلى فكر معين أو تبني إيديولوجية معينة أو التصويت على حزب دون آخر، أو الانخراط في سياسة رسمية للدولة. واللغة السياسية قد تكون وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة أو شريرة، كما يمكن أن تقول الصدق وتقول الكذب، فهي قناة ضرورية تحقق من خلالها الحكومات والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام غاياتها الاستراتيجية فبفضل “سيطرتهم على الخطاب السياسي يتحكمون في الناس، ولا يحتاجون إلى (العنف الجسدي) لتحقيق هذا التحكم، بل اللغة السياسية”[2].

      هكذا يتبين حجم الارتباط بين اللغة والسياسة أو بين استعمال اللغة والسياسة، فسلطة اللغة في الخطاب السياسي تؤسس وتشكل سلطة السياسة دون اعتمادها على السمات والمبادئ التي تؤسس السياسة. فإذا كانت “السياسة تتعلق بالعمل، فاللغة هي التي تنشط وتبرر العمل، وتوجهه وتمنحه معنى معينا. تتأصل السياسة أساسا في علاقات التأثير الاجتماعي، واللغة، بواسطة ظاهرة سريان الخطابات، فهي التي تسمح بتشكل فضاءات النقاش والإقناع والتضليل، حيث يتطور الفكر والعمل السياسيان. يترابط دائما العمل السياسي والخطاب السياسي، وهذا ما يبرر، في نفس الوقت، دراسة السياسة بواسطة خطابها (لغتها)”[3].


[1]ـ عبد السلام المسدي، السياسة وسلطة اللغة، الدار المصرية اللبنانية، 2007، الطبعة الأولى، ص 7.

[2]ـ عيسى عودة برهومة، اللغة في الخطاب السياسي، ضمن سلسلة عالم الفكر، المجلد 36، 2007، ص 132.

[3]ـ عبد الهادي ظافر الشهري، استراتيجية الخطاب، مقاربة لغوية تداولية، دار الكتاب الجديد المتحدة، ليبيا، الطبعة الأولى، 2004، ص80.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق