المقالات

الجامعة المغربية والابتكار ممكنات المعرفة ومعيقات تطوير مجتمع المعلومات(الطاهر بكني)_1_

مقدمة:

لا شك أن الابتكار في الجامعات مرتبط بالنموذج التنموي القائم. ولا يمكن تبني استراتيجية واضحة للابتكار دون رؤية استشرافية تكون الجامعة إحدى ركائزها باعتبارها فاعلا رئيسيا لا غنى عنه فــي إعداد السياسات المتعلقة بالبحث والتطوير والابتكار. وحتى يكتمل دور الجامعة وتحقق رسالتها لابد من وجود شراكة حقيقية مع بقية المؤسسات، فالقدرة على الابتـكار يمكن أن تعتمد علــى الانخراط القوي للجامعات فــي النهوض بالمعرفة باعتبارها مؤشرا لخلق القيمة، ومصدرا للميزة التنافسية، عبر مجموعة واسعة من التفاعلات على مختلف المستويات، وببلورة نماذج تؤكد على التعاون بين الصناعة والجامعات والدولة قصد إعداد استراتيجيات وطنية للابتكار.

وقد ساهمت الجامعة المغربية إلى حد كبير في إحداث تغييرات جوهرية في المجتمع، باعتبارها إحدى محركات التنمية المعرفية، الاقتصادية والاجتماعية، وتسهم بفعالية في تعزيز التنافسية والإنتاجية. كما قام المغرب بجهود حثيثة لاستثمار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لبناء وتطوير مجتمع المعلومات، وأحرز بعض التقدم في بعض القطاعات بدرجات متفاوتة. حيث تم تبني استراتيجيات ومبادرات وطنية لتحفيز الابتكار بهدف الاعتماد عليها من أجل التنمية المستدامة. إلا أن كل هذه الجهود وكل هذه الموارد لم تنعكس على الجامعة المغربية، فالابتكار ما يزال ضعيفا، كما أن الجامعة لم تنخرط بعد في اقتصاد مجتمع المعرفة.

وبناء عليه، نتساءل في هذه الورقة عن مداخل تمكين الجامعة المغربية كمركز للمنظومة البحثية من إنتاج وإدارة المعرفة بمختلف تجلياتها. وعن الإشكالات التي لم تسمح ببناء اقتصاد مغربي ذو قدرات تنافسية قائم على المعرفة. ولماذا لم يستطع المغرب بالرغم من السياسات الحكومية التي اهتمت بالتعليم المهني والجامعي من بلورة مفهوم الجامعة البحثية الوطنية؟ وتطوير رؤية وطنية للابتكار تحفز الاستثمار في البحث العلمي وتركز على جودة ونوعية التعليم؟1. الجامعة المغربية وإشكالية الولوج إلى مجتمع المعرفة

تعد الجامعة المدخل الرئيس لتأهيل العنصر البشري لمتطلبات ورهانات مجتمع واقتصاد المعرفة التنافسيين على الصعيد العالمي، حيث تمثل نواتج التعلم أحد أفضل عوامل التنبؤ بالنمو المستدام والحد من الفقر. وبالرغم من الإصلاحات المتعاقبة التي شهدتها الجامعة المغربية، والتي من المفترض فيها التوفر عـلى خطــة الطريــق لضـمان التتبــع الدقيــق لعمليــة الإصلاح، ولإجـراء التعديـلات الضروريـة، بعيـدا عـن التغيـرات التـي تطـرأ عـلى الحقـل السـياسي؛ إلا أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن تطوير الأداء الجامعي لمسايرة التطورات العلمية والتحولات المتسارعة وكذا متطلبات المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. فضعــف رسملة المكتســبات إلى جانب تــردد السياســات العموميــة في الاختيــار بـين إصلاح يشــكل قطيعــة مــع المــاضي، وشــامل عـلـى المــدى الطويــل، وإصلاح تدريجـي يعتمـد عـلى الإبـداع والابتـكار في كل المراحـل لأجـل تفعيلــه، يعطينا تفاوتات متباينة في منتوج هذه المؤسسات. فالجامعات ذات الولـوج المفتـوح وعددهـا 56 مؤسسـة تســتقبل في المعدل أكثر مــن 87,6% من طلبــة الجامعة، بينما تكتفي المؤسسـات ذات الولـوج المحـدود وعددهـا 68 بتكوين 12,4% مــن الطلبــة، في حين تتوزع باقي مؤسسات التعليم العالي بالمغرب بين 202 مؤسسة للتعليم الخاص، و1937 مؤسسة للتكوين المهني بعد الباكلوريا (تقني عال)، و 70 مؤسسة لتكوين الأطر.

وقد غاب المغرب عن تصنيف “شنغهاي” سنة 2020. كما يحتل مراتب متدنية حسب مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي دافوس باحتلاله المرتبة التاسعة عربيا، و101 عالميا. وهذا راجع إلى ما تعرفه الجامعة من أزمات بنيوية، خاصة مع ارتفاع أعداد المتسربين، بانقطاع أكثر من 50% من الطلاب عن الدراسة، في حين يتمكن 47% فقط من التخرج. وبينما يحصل 13% من الطلاب على شهادة الإجازة خلال 3 سنوات فقط، فإن 17% ينقطعون عن الدراسة في السنة الجامعية الأولى.

وتساءل هـذه التفاوتات قدرة الجامعـات عــلى تجاوز العجز في تخصيص الموارد في البنيـة التحتيـة والتأطـير، وفي جودة العرض والتكوين، وفي تمثلات الــرأي العــام أيضا؛ فرغم أن نظـام الولـوج المفتـوح يعـاني مـن نظرة  ســلبية ولا يحظى بالتقدير اللازم، إلا أنه مع ذلك يســتقبل الغالبية العظمــى من طلبة الجامعـة. كـما يتم تنظيـمه في إطــار منظـور استنسـاخي، بحيث توجـد نفــس الكليات في جميع الجامعـات، الشيء الذي يحـد من تنوع المؤسسـات والتخصصـات والابتكار في تصميم المسالك. الشيء الذي لا يجيب على إشكالات وانتظارات المحيط الاقتصادي الذي يستدعى إنتاج متخرجين متوفرين عــلى المؤهلات القادرة من جهة عـلـى الاستجابة لمـا تنتظره كل القطاعات المنتجـة، وعلى جعـل نموذج التنمية المغــربي ينجح في رفع التحديات الوطنية والعالمية التــي يواجهها من جهة أخرى.

وتظل الدولة هــي الممول الرئيسي للجامعات، والتــي عرفــت بدورها زيــادة هامــة في الاعتمادات المرصودة لها منذ إصلاح سـنة 2003 خصوصا بـن سـنتي 2009 و2017، حيث انتقلـت الميزانيـة المخولـة للتعليم العـالي من 7,5 مليـار درهـم جـار، إلى أكثر مـن 10 مليـار درهـم جـار. غير أن هـذه الميزانيات المرصودة لم تساير ازدياد أعداد الطلبة، فإذا كانت نسبة أعداد الطلبة قد ارتفعت بنسبة 155% بين 2009 و2017، فإن الميزانية المرصودة لهذه المؤسسات لم تتجاوز نسبة 21%.

وإذا كان مجتمع المعرفة يتقدم في كافة جوانب الحياة من خلال استعماله للتقنية الرقمية، وإذا كانت الجامعة تعتبر أهم أدوات تخطي الفجوة الرقمية؛ فإن الولـوج إلـى اقتصـاد عالمـي قائـم علـى المعرفة والابتـكار يتطلب تدبيرا جديدا وتحفيزيا للرأسـمال الفكري مـن باحثين ودكاترة وحاصلين علــى الشــهادات ومبدعين ومبتكرين ورواد أعمال. كما يتطلب إقامة تعــاون وثيـق بين مختلف الفاعلين مـن مقـاولات وجامعـات ودولـة. ومن هذا المنطلق، لا يـزال النموذج التنموي بالمغرب غير قادر على خلـق مناصـب الشـغل ذات التأهيل العالـي اللازمة للحـد مـن البطالـة فـي صفـوف الشـباب، ولا سـيما فـي صفـوف الخريجيـن حاملـي الشهادات. فرغم إطـلاق مخطـط “المغـرب ابتـكار” سـنة 2011 وإنشـاء صناديـق لدعـم الابتـكار، غير أن النتائـج لا تـزال دون مسـتوى الطموحـات المنتظرة، فتصنيـف المغرب لم يراوح مكانه ضمـن “مؤشـر الابتـكار العالمـي” حيث ظـل جامـدا عنـد المرتبـة 74 بل وتراجع سنة 2020 إلى المرتبة 75 من ضمن 131 دولة في العالم، مع الإشارة إلى أن التصنيف العالمي لسنة 2019 شمل 129 دولة فقط.
تطور ركائز دليل الابتكار العالمي في المغرب

ركائز دليل الابتكار العالمي201120162020
المؤسسات807477
رأس المال البشري والبحث616181
البنية التحتية574571
تعقيدات السوق849888
تعقيدات بيئة الأعمال110125107
المخرجات المعرفية والتكنولوجية877260
المخرجات الإبداعية1096775

المصدر: https://www.knowledge4all.com

انطلاقا من الجدول أعلاه، عرف المغرب ارتفاعا ايجابيا في بعض المؤشرات القطاعية كالمؤسسات والمخرجات المعرفية والإبداعية، إلا أن ضعف الابتكار عموما سببه الرئيسي ضعف النظم والافتقار إلى أدوات سياساتية سليمة. فالنظم تتأثر بضعف الموارد البشرية والمالية، والافتقار إلى البنية الاقتصادية المناسبة، وهيمنة اقتصاد الريع، وقصور سوق العمل، وضعف مؤشرات التنمية الاجتماعية، وانعدام الحوافز. كما أن ضعف الإنفاق العام على البحث والتطويروالابتكار يبعث على القلق. فقد ذهبت التقديرات سنة 2018 إلى أن الرأسمال البشري قد ساهم في نصيب الفرد من الثروة بنحو 41%، وهي نسبة أقل بكثير من بلدان ذات مستوى مماثل من التنمية. حيث يعد المغرب من الدول المتوسطة على صعيد البنية التحتية المعرفية الداعمة لتبني التكنولوجيا، ويحتل المرتبة 83 بين 138 دولة في مؤشر المعرفة العالمي سنة 2020 متقدما بضع درجات مقارنة مع سنة 2019 التي احتل فيها المرتبة 92، والمرتبة 3 بين 24 دولة ذات تنمية بشرية متوسطة.

المصدر: https://www.knowledge4all.com

ويسجل المغرب بذلك متوسط دون المعدل العالمي على المؤشر العام، ونتيجة أعلى من المعدل العالمي في مؤشر واحد فقط من المؤشرات القطاعية السبعة، حيث حقق أداء قويا في الجوانب المتعلقة بالتجارة والتمويل. في المقابل يواجهتحديات تتعلق بالتفاوت بين الجنسين حيث لا تزال درجة المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين منخفضة للغاية، مما يجعل المغرب يحتل مراتب متدنية حيث يأتي في المرتبة 143 من أصل 153 دولة، فيما استمر التصنيف العالمي للبلاد في الهبوط منذ سنة 2006. كما يواجه المغرب تحديات تتعلق بفرص التمكين ومخرجات التعليم العالي وجودته.

وإذا كانت البنية التحتية الأساسية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تعتبر إحدى آليات الحد من عدم المساواة في أي بلد من البلدان، وأداة من أدوات تمكين البحث والتطوير والابتكار التي على أساسها تطلق تكنولوجيات جديدة. قد تطورت نسبيا خاصة في مجال الهواتف المحمولة، حيث جاء المغرب في المرتبة 56 في تصنيف الدول من حيث سرعة اتصاله بالإنترنت عبر الهاتف المحمول بمتوسط ​​سرعة تنزيل يبلغ 33.04 ميغابايت في الثانية. وتتوفر الإنترنت لنسبة 64.8% من سكان المغرب متقدما على المتوسط الإقليمي الذي يبلغ 43.7%، أو المتوسط العالمي البالغ 48%. أما من حيث الإنترنت الثابت، فيحتل المغرب المرتبة 123 من أصل 176 بلدا بسرعة 17.72 ميغابت في الثانية.

وبلغ عدد المشتركين في خدمة الموبايل قرابة 47.5 مليون مشترك مع نهاية سنة 2019. فيما عرف عدد المشتركين في الانترنت ارتفاعا ملحوظا، حيث بلغ 26.2 مليونا، بارتفاع سنوي يقدر بنحو 10.1%. بينما وصل عدد مشتركي تقنية الجيل الرابع من الإنترنت 13.4 مليونا بنمو سنوي معدله 48.8%. وبلغ عدد مشتركي الإنترنت بالألياف البصرية 105 آلاف مشترك. إلا أن الارتفاع الكبير لعدد مستخدمي الإنترنت خلال فترة الحجر الصحي، عرى بشكل كامل، القطاع، وأبان عن نواقصه الكثير، والتي تعتبر “السرعة” أبرزها. فالانترنت عموما كان ضعيفا قبل الجائحة، ولكن خلال فترة الحجر الصحي، وبسبب تحول عدد من القطاعات للعمل عن بعد، ساهم في ارتفاع الضغط على شبكات الاتصال، وأزم وضعها.

تطور ترتيب المؤشرات القطاعية لمؤشر المعرفة بالمغرب

المؤشرات القطاعية2017201820192020
التعليم قبل الجامعي868989100
التعليم التقني والتدريب المهني9211011986
التعليم العالي65939985
البحث والتطوير والابتكار72848082
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات71767775
الاقتصاد65685160
البيئات التمكينية108106103104

المصدر: https://www.knowledge4all.com

وتقف معدلات الأمية المرتفعة حائلا دون الانخراط في مجتمع المعرفة، وخاصة مع تدني نسب الالتحاق بالمراحل العليا من التعليم الجامعي مقارنة بالمعدلات العالمية حيث لم تتجــاوز سـنة 2016 نسبة 32%. كما يسود الكم على الكيف، في حين يبقى الإنفاق على البحث العلمي متواضعا ذلك أن ميزانية الدولة اليوم (0.8% من الناتج الداخلي الإجمالي) المخصصة لتمويل البحث العلمي العمومي، جد هزيلة بالنظر إلى المعايير الدولية، حيث يبقــى المــؤشر الــذي يســمح بمقارنــة الميزانيــة الإجمالية المرصــودة للتعليم العالي الجامعــي مع الناتـج الداخلي الخام في العقدين الأخيرين دون 1%، باســتثناء ســنوات تطبيــق المخطط الاســتعجالي، في حين بلغ هذا المؤشر أدنى مستوى سنة 2015 أي 0,91%. فيما  بلغ المتوسط العالمي سنة   2018 نسبة 2.27%.

كما يعرف المغرب إشكاليات فيما يتعلق بمؤشر “الحكومة الالكترونية” التي يحتل فيها المرتبة 106 عالميا من أصل 193. والتي تتألف من ثلاث مؤشرات فرعية هي مؤشر البنية التحتية للاتصالات، ومؤشر رأس المال البشري، ومؤشر خدمات الحكومية الرقمية. في إشارة إلى العوامل المتضافرة في تطور الحكومة الإلكترونية ومنها الموارد البشرية والخدمات الرقمية إلى جانب البنى التحتية. ويعتبر هذا المؤشر أداة رئيسية تستخدمها الحكومات لتوفير الخدمات لجميع المواطنين، وتحسين الحوكمة، وتيسير مشاركة المواطنين في صنع القرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق