المقالات

الحماية الوقائية الاستراتيجية الأمثل لتوحيد الإنسانية(أبو يعرب المرزوقي)

عندما ادعيت أن الإنسانية بعد أن استكملت وحدتها المادية من حيث هي مستعمرة في الأرض-العولمة-تبين لها أنها باتت مشروطة بسعي الجميع لاعتبار الجميع عدوا ممكنا وصار وجودها خاضعا لمنطق توازن الرعب.

وتوازن الرعب لا يمكن أن يحقق السلام إلا بشرطين كلاهما يستوجب أمرين مستحيلين.

فحتى يتحقق ذلك لا بد أن يصبح الجميع في تسابق جنوني للحفاظ على هذا التوازن على مستويين كلاهما مستحيل:التنافس الاستعلامي الذي يجعل الكل يخترق الكل بصورة شبه مطلقة فتتحقق وحدة انظمة الاستعلامات فيصبح أي جاسوس مجنونا قادرا على اشعال الحرب الكونية لمجرد إيهام جماعته بأنه قد اكتشف فرصة ضعف عند منافسهم الأخطر.

_ التنافس التسليحي الذي يجعل الكل يحاكي الكل بصورة شبه مطلقة فتتحقق وحدة انظمة الدمار الشامل فيصبح أي مهندس مجنون قادر على اشعال الحرب الكونية لمجرد إيهام جماعته بأنه قد اكتشف فرصة ضعف عند منافسهم الأخطر.

_ والتنافس في الحالتين مداره ثروات الأرض والسيطرة على العالم وليس على الرعاية والحماية التي يمكن أن تغني عن التحارب إذا وضعت استراتيجية تحققهما تحقيقا يمكن من العيش السلمي المشترك بمجرد عدم الاقتصار على الاستعمار في الأرض بإضافة قيم الاستخلاف.

وهذه الإضافة هي التي يعرف بها القرآن الكريم مهمة الإنسان في التاريخ مهمته التي لا تكون موحدة للإنسانية ومحققة لشروط العيش السلمي المشترك إلا بهذا الجمع باعتباره عين منزلة الإنسان وشرط نجاحه في اثبات أهليته لهذه المنزلة: الخلافة للإنسان من حيث هو إنسان.

وحتى أشرح هذا المعنى سأنطلق بالذات من مفهوم الردع القرآني أو مفهوم ارهاب الأعداء كما حددته الآية الستين من الانفال التي اعتقد أن المسلمين أساءوا تطبيقها وخاصة بعد نهاية عهد الراشدين الثلاثة الأول أي منذ بداية الفتنة.

والعلامة القاطعة هي أن المعرفة لم تبق اجتهادا وتواصيا بالحق والعمل لم يبق جهادا وتواصيا بالصبر لأن الإيمان لم يبق مشروطا بالعمل الصالح.

ومنذئذ صار الردع مؤسسا للحرب الاهلية في الجماعة المسلمة وفي العالم كله.

فانتقلت الرؤية الاستراتيجية في الدولة الإسلامية من مفهوم الفتح إلى مفهوم الغزو سواء كان داخليا في نفس الجماعة أو خارجيا بين الجماعات ومن ثم فإن المبدأين المؤسسين لاستراتيجية توحيد الإنسانية في الاستعمار في الارض والاستخلاف فيها قد أهملا بالكلية:مبدأ الأخوة البشرية والرحمين الكوني والجزئي: النساء 1

_ مبدأ المساواة بين البشر والتعارف معرفة ومعروفا: الحجرات 13.

لذلك فلا بد من محاولة فهم فلسفة الحرب وعلل حاجة البشرية إليها وعلاقتها بمعنى “يفسد فيها ويسفك الدماء” وكيفية استخلاف الإنسان

رغم ذلك ومدى تناسق ذلك مع العبارة القرآنية التي تحيرني أكثر من ما جاء في القرآن لأنها تعلل الخلق بما يشبه حاجة إلهية إلى المخلوقات: {وما خلقت الجنس والإنس إلا ليعبدون}”.

فكان لا بد من اكتشاف منطق “الحبكة” القرآنية لرمزية الاستخلاف مدخلا يمكن من فهم دلالة الفرصة الثانية-القبول برمز تحدي الشيطان لتعليل رفضه الاستخلاف- التي يعطيها القرآن للإنسان بعد اقدامه على العصيان الأول.

فهل ما جهز به الإنسان من قدرة على التسمية التي اعتبرت القرآني علة كآية لتجاوز كونه يفسد فيها ويسفك الدماء، جوابا عن سؤال الملائكة حول جدارته بالاستخلاف؟

كان بحاجة للفرصة الثانية التي تضع الإنسان على محك التجربة التاريخية التي يكتشف فيها بفضل هذه القدرة ضرورة تجربة الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف ليحقق أهليته لها؟

لكن هذه التجربة كما هو بين يمكن اعتبارها دالة على صحة وصف الملائكة للإنسان بأنه يفسد فيها ويسفد الدماء. لذلك فإن الإشكالية كلها تصبح قابلة للتلخيص في فلسفة الرعاية والحماية التي تنقل الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف من سفك الدماء والفساد في الأرض إلى توحيد الإنسانية فيكون التاريخ كله هو خلق الإنسان الخليفة.

ويكون جعله خليفة هو عين تاريخه والفرصة الثانية ليكون هو المسهم في تحقيق الجدارة وذلك هو معنى الرسالة الخاتمة التي تخرج الإنسانية من الفساد وسفك الدماء إلى الاستعمار الاستخلافي.

ومن ثم، فأفضل مجال لفهم هذه المعادلة الدقيقة هو درس فلسفة الحرب واستراتيجية الرعاية والحماية كما تحددت في آية الردع القرآنية.

لكن ما يجعل ذلك كذلك هو اللحظة التاريخية الكونية التي تجعل البشرية قد انتهت إلى ما يجعلها قادرة على الفساد فيها وسفك الدماء المطلقين.

فكيف يكون ذلك كذلك رغم أن الإنسانية قد حققت غاية شروط الاستعمار في الأرض (أي القدرة على التعمير) وغاية شروط الاستخلاف فيها (أي القدرة على الاستخلاف) لكنها مع ذلك وجهتهما للفساد فيها وسفك الدماء فصار التنافس على ثروات الطبيعة بتراث التاريخ؟ 

إن محاولة في فهم الردع بالمعنى القرآني جاء في الآية 60 من الانفال: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”.

فيمكن أن نستنتج من تحليل هذه الآية التي تعرف الردع المعاني الخمسة التالية التي تتألف منها استراتيجية الحماية والرعاية في الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف المؤسسين للرؤية القرآنية في شروط العيش المشترك بين البشر

بصورة لا يكون الردع فيها توازن قوى التدمير الشامل بل توازن الندية المؤدية للتعارف معرفة ومعروفا بين الأخوة الذين لا يتفاضلون إلا بالتقوى أي توحيد الإنسانية بمقتضى المبدأين اللذين بهما كانت الرسالة كونية ومن ثم خاتمة:

_ المسألة الأولى: تصنيف الأعداء بمعيارين:

لعلاقة بالله وبالإنسان والعلاقة بالمعلوم والمجهوللمسألة الثانية: طبيعة الحماية الذاتية وقائية وليست علاجية

المسألة الثالثة: هدف الحماية الذاتية المباشر وغير المباشر

المسألة الرابعة: أدوات الحماية الذاتية المباشرة وغير المباشرة

المسألة الأخيرة: جزاء الحماية الذاتية العادل بمقتضى الهدف المضاعف وهو مفهوم الجهاد.

والعلة هي أن الحماية الذاتية اختبار لأهلية الاستخلاف ومن ثم فهي جامعة بين وظيفتي الإنسان أي:الاستعمار في الأـرض وشرط شروطه العلم وتطبيقاته

والاستخلاف فيها وشرط شروطه العمل بقيم الاستخلاف وتطبيقاتها

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق