غير مصنف

التجديد الاسلامي: دراسة في القضايا الفكرية والنماذج الحضارية(الدكتور سمير زردة)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على النبي الكريم وعلى آله وصحابته الغر الميامين أما بعد..

         فإن مدار حياة هذه الأمة العظيمة على تجديد أطرها الفكرية والروحية والحركية عبر مسار التاريخ، ولقد جاء التوجيه النبوي بتجديد الدين غير منفصل عن تجديد الإيمان ليتصل في العقل المسلم الظاهر بالباطن، والمثال النظري بالسلوك العملي، في سعي الوجود الفردي والجماعي لتحقيق النموذج العالي والفاعل في الواقع..

         ولقد ظلت محاولات التجديد تتكرر عبر الخط الطويل لمسيرة حضارتنا تستهدف في كل مرة العودة للأصول والبناء عليها لتعود للكينونة الحضارية الإسلامية خصوصيتها وهويتها التي لا تكون إلا بها..وعند كل منعطف حاسم يجتهد علماء ومصلحون في إدارة دفة السفينة إلى الوجهة الصحيحة بجهود تأتي تارة من وسط حلقات العلم والنظر وتارة من محاضن التربية والتزكية وتارة أخرى من ميادين المدافعة والجهاد.

وفي نظرنا لا يحصل التجديد حتى يتوفر له شرطان أساسيان يستدعيهما منطق التغيير وفلسفته:

الأول:استيعاب واف وشامل للتراث ولزمنه ولمشكلاتهما استيعابا نفسيا ومعرفيا ضمن إطار مرجعي محدد، ذلكم أن غياب هذا الإطار هو السبب في إرباك العقل المسلم لقرون، إطار مرجعي حتى يمكن أن يكون في المنزلة التي تؤهله لتقديم فهم مناسب لما هو عليه حال الإنسان بالمفرد والجمع من التشخيص الذي لا يخطئ المرض والتحقق من أصوله وتاريخه وتطوره، لأن استيعاب التراث شرط لاستيعاب العصر، وهما معا شارطان للتجديد.

الثاني: القدرة على تقديم الأجوبة المناسبة لمساقها الزمني وتدعيمها بالنموذج العملي على الحياة المثالية بمفهومها القرآني في وقت خلد فيه الناس إلى الأرض، والقدرة هنا تمتد على مساحات واسعة من الفكر والروح والعمل..

         واستشعارا منا لأهمية هذا الموضوع وحيويته في المرحلة الراهنة لأمتنا، يسعدنا في مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أن نقدم هذا العمل المتميز لأحد الباحثين الشباب النجباء بالمركز وهو الدكتور سمير زردة، الذي بذل وسعه في إعادة التفكير في هذا المفهوم وعرضه على نسق قياسي مكنه من اتخاذ موقف نقدي واع على أسس منهاجية سليمة.

         إن القارئ يستمتع في هذا العمل من خلال تتبع مفهوم التجديد وتفكيك إوالياته، وأقسامه من الكلي والجزئي، وبحث العديد من التجارب التاريخية في تجديد الدين والإيمان، وعبر نقد دقيق لكل تجربة ببيان نقاط قوتها وضعفها وقياسها إلى النموذج الكمالي النبوي، ومن خلال تمحيص تحليلي لدعاوى التجديد في المنظومة العلمانية التي يتستر تحتها عدد من الأقلام المسمومة التي تهدف إلى نقض الأصول باسم التجديد.

يلمس القارئ في هذا الكتاب مجهودا معرفيا مميزا بذله الباحث في بناء مفهوم التجديد وتحديد مضمونه، بما يمثل في نظرنا الإطار العلمي الضروري لعملية الضبط المنهجي لفوضى الاستخدام المصطلحي..

لقد تمكن الباحث سمير زردة من إيصالنا عبر بحثه الشيق إلى حقيقة حضارية على درجة عالية من الأهمية ؛ وهي أن التجديد والنهضة في هذه الأمة لا تتحقق بتقليد نماذج جاهزة أنتجها غيرنا تحت ضغط وتأثير متطلباته الخاصة المرتبطة بظروفه التاريخية وبيئته الثقافية ، وإنما بـ”التوطين” الذي نص عليه الحديث الشريف، “ولكن وطنوا أنفسكم”.

 وطنوا أنفسكم على صناعة ما يناسبكم من أفكار ونماذج، ذلك أننا لا نستطيع كما يقول مالك بن نبي: “أن نصنع التاريخ بتقليد خطا الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها، بل أن نفتح دروبا جديدة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بأفكار أصيلة تستجيب لسائر المشكلات على الصعيد الأخلاقي أو على صعيد الأفكار الفعالة، لتجابه مشكلات التطور في مجتمع يعيد بناء نفسه” انتهى كلامه.

في الختام نسأل الله تعالى أن يجزي خيرا الباحث سمير زردة عن عمله هذا، وأن يجعله أول الغيث الذي تلحقه أعمال أخرى نافعة،  وأن يجعله من عمله الذي لا ينقطع، وأن ينفع به قارئه والمسلمين جميعا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق