المقالات

أسرار النجاح العظيم(إدريس أوهلال)

الشغف والإلهام والموهبة والعبقرية والإبداع والإيجابية كلمات سيئة عندما تُستخدم كبديل عن قيم الفهم العميق للعبة، والوضوح الدقيق للرؤية، والالتزام بها، والانضباط لها، والعمل عليها، وبذل الجهد في سبيلها، والمثابرة حتى تحقيقها. إن النجاح العظيم رحلة طويلة وشاقة، وثمرة التزام وانضباط وصبر ومثابرة وفهم، أما هذه “الأوهام” النازلة من سماء الكلمات المُبَجَّحة والرغبات المُجَنَّحة فيستخدمها الخيميائيون الجدد لغرض واحد فقط هو تحويل ما بقي من ذهب الاستعدادات الطيبة إلى حجر!

من المهم أن يكون لك شغف، لكن من الخطير أن يكون لك شغف وحده. الشغف وحده يقتل صاحبه في منتصف الطريق، فهو حالة انفعالية وفكرية قوية تمنح الحركة لكن لا تضمن استدامتها.. فهي كالأحلام المُجَنَّحة تعطي النشوة المخدرة لكن لا تعطي النجاح.. الوصفة الحقيقية للنجاح لا تنزل من سماء التعلق والرغبة، بل تنبث من أرض الصبر والزمن والفهم.عندما تحاول مثلا تعلم مهنة جديدة لتعيد بناء مسارك المهني من جديد، بعد أن قضيت عمراً بأكمله في مسار مهني آخر استنفذ وظيفته في حياتك، تكون رغبتك الجامحة في تطوير ذاتك ومهاراتك وشغفك القوي بتعلم مهنة جديدة بعمق وبسرعة مسألة ثانوية وجانبية مقارنة بتحدي الرحلة الطويلة والشاقة التي تنتظرك، والعمل المثابر والمسؤول الذي يلازمك، والفهم العميق للعبة الذي تحتاج أن تتسلح به.

إن النجاح العظيم هو ثمرة الالتزام ببذل جهد كبير ومنتظم على مدى زمني طويل مع فهم دقيق وعميق للعبة، أما “الكلمات السحرية” فتستخدم لغرض واحد فقط هو تسويق الوهم.الوعد بالنجاح، وضرب الأمثلة بأشخاص انطلقوا من الصفر وأدركوا قمة النجاح، حيلة إيديولوجية وتسويقية قديمة تستخدم أخطر الأسلحة في المواجهة “اللغة الكذّابة”، وتخاطب في الشخص أخطر ما فيه “الرغبة الطمّاعة”، وتجعله يقضي عمره كله في البحث عن نجاحه وشغفه وموهبته وعبقريته وإبداعه دون جدوى..

أحيانا لا تحتاج للانتصار سوى عدو غبي تقدم له حبلا كافيا لكي يشنق نفسه بنفسه.. ينسى صاحبنا الغبي في غمرة غيبوبته السعيدة المنتشية بوعد كاذب أن النجاح له قوانين بسيطة هو البداية الصغيرة وبذل الجهد الحقيقي والمثابرة عليه وفهم اللعبة والتركيز على الهدف وعدم الالتفات عنه حتى بلوغ النهاية المشرقة.إن النجاح، ككل الأشياء الموجودة في هذا الكون، تبدأ صغيرة أو عشوائية، ثم تنمو بالجهد والمثابرة والصبر والزمن والفهم، فتصبح على المدى البعيد إنجازاً كبيراً ونجاحاً عظيماً. إن الناس عموما تنسى قانونا بسيطا هو قانون التراكم الكمي والنوعي؛ فالتراكمات الكمية عندما تمتد على مدى زمني طويل تؤدي إلى تغيرات نوعية..

الجبال العظيمة ليست سوى حصى مُتَكَوِّمَة، والمحيطات الشاسعة ليست سوى قطرات متراكمة، وعندما يصل التراكم الكمي القائم على الجهد والمثابرة والصبر والزمن والفهم إلى ذروته تبدأ عملية التطور النوعي الذي نسميه إنجازاً كبيراً ونجاحاً عظيماً.لنكن جادين في التعلّم وفي طلب النجاح الحقيقي بصدق، ولنضع حَرْق المراحل والرغبة الطمّاعة والتعلق العاطفي جانباً، ولنبدأ بالبداية الصحيحة والمنهج الصحيح: الطموح العالي جداً من أول يوم بكل تأكيد، لكن ببداية صغيرة، مع العمل الشاق، والاندماج الكلي، والإنجاز المثابر، والتَكَيَّف الفعَّال، والبساطة في الحياة، والعمق في الفهم.إن النجاح العظيم لا أسرار له، ولا توجد خلطة سرّية، في كتاب سري، لا يعرفها إلا عدد قليل من حراس معبد سري، تشرح بطريقة سرية “كيفية زيادة الثروة والصحة والسعادة”، ببساطة لأن تلك الكيفية بسيطة وواضحة ومعروفة لدى الجميع، وكل ما نفعله هو التغاضي عنها لكي نستمر في التعلق بالأوهام أو الانجراف مع عادة الكسل. وهذه الكيفية هي ببساطة الانخراط في عمل يضغطك ويضطرك لترك الكثير من الرغبات المحببة لقلبك، والمثابرة في أنشطة مُمِلَّة، وتكرار نفس المهام الروتينية لمئات أو آلاف المرات.يخطئ من يعتقد أن رحلة النجاح نزهة مريحة، بنشوة ممتعة، وأحاسيس رقيقة، وإيقاعات جميلة، نتلذذ بها ونحن نتقدم وننجز. النجاح فعلاً مريح وممتع ورقيق وجميل، لكن رحلته مسار شاق ومتعب عبر محطات الجهد المستمر والملل المتربص والإحباط الذي يفاجئك بين الحين والآخر، لكنك رغم ذلك تتابع رحلتك، لا لأن المسار ممتع، بل لأن النهاية مشرقة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق