المقالات

محاولة لفهم أعمق لـ”التطبيع”(عبد السلام ديرار)

المرحلة التاريخية التي تمر بها الإنسانية ككل اليوم، هي مرحلة عسيرة (سبقتها أخريات أكثر عسرا و انتهت) ، ستفضح كل من يكابر من أجل عدم الانفضاح، مهما كان موقعه،خصوصا بالمجتمعات المضطهدة المقهورة . و لن تنفع بعد اليوم أقنعة (تخفي الفضيحة) .

هي مرحلة عودة نبلاء جدد (ما نسميه نحن بالإقطاع الذي يستمر في خنق أنفاسنا و تعطيل تاريخنا و عقلنا) ،بكل بشاعة القدماء، بعواصم الغرب (الحديث و الحداثي و الما بعد حداثي و فائق الحداثة! !!) إلى الأمس القريب ،لأن التاريخ ليس خطيا أبدا ،و الارتكاس أو النكوص جزء من سيرورته . و ما الرئيس الأمريكي ترامب بكل ما يشتهر به من جهل و تسلط و طغيان و دوسه على كل المعايير و القيم ،و وراءه جحافل محافظين جدد أكثر تطرفا و قسوة (حتى على الديموقراطية الأمريكية) ، و ما يزيد على السبعين مليون أمريكي ،مسطولين تماما (كالأقنان القدماء ) يصوتون عليه و منهم من يحمل السلاح للقتل ! تكريسا له رئيسا رغم نتائج اللعبة الديمقراطية! ، و الرئيس الفرنسي و من معه ،و إجهازهم على معظم مكتسبات الشعب الفرنسي (صاحب الثورة البورجوازية) ، و رئيس وزراء النمسا و من معه ، و معظم النخبة السياسية الإيطالية، و رئيس وزراء بريطانيا (الذي وصفه صحافي بريطاني بالدجال! ) و من معه ….، ما كل هؤلاء سوى أعراض فاقعة على نسخة (في زمن الانترنت! أو عليه !) لقرون وسطى معدلة ،عائدة إلى عواصم “الحداثة” ! و ….و …و….!! في غفلة من شعوبها أو على الأصح، ضمن ارتخائها و تمكن الوهن من شعوبها (لأن الديمقراطية و المجتمع الديمقراطي هما أساسا حالة لموازين القوى غير مختلة ) . و لا تنقص المشهد القروسطي هنا أيضا ،أمبراطورية ، فهي كاسحة قاهرة بما يتحدى بكثير جبروت القديمة . فأمريكا تصدر “الأوامر ” للحكومات و الأفراد و الشركات و الأبناك الفرنسية و الألمانية و البريطانية و اليابانية و الكندية ….ألا تعامل مع كوبا و كوريا الشمالية و إيران و فنزويلا …و لو بما يساوي دولارا واحدا ! حتى و إن تعلق الأمر بدواء في غمرة “كورونا” الشديدة الالتباس! ! ،و إلا فالعقوبات بمليارات الدولارات ،تدفعها الشركات و الأبناك …الألمانية و الفرنسية … (لا السودانية أو الموريتانية! !) صاغرة ! .

و ضمن هذه الشروط، أصبح حال حكام الشعوب المضطهدة خارج الغرب ،في الغالب الأعم ،مدعاة للشفقة ! و السخرية! و الكوميديا! و التراجيديا! ،و لأحوال غاية غاية قصوى في البؤس و الذل و المهانة ،تقتضي من نحاتي المفاهيم نحت ما يناسب بؤسها. ينفذون الأوامر و يغالون في الامتثال ل “الأمبراطور” المسعورة، و ينفقون خيرات شعوبهم لتنفيذ مخططاته (حالة مشيخات الخليج نموذج شديد البؤس) ،طمعا في مرضاته! ! و طبعا فهم يروجون أو حتى يتوهمون أن مصلحتهم مشتركة !! .

هنا تنقلب كل القيم و المعايير أو يتم قلبها بهذه المجتمعات المضطهدة، فيصبح القبول بالذل و الهوان “واقعية” !! و الجبن و الثعلبية و الانتهازية “رصانة و أكاديمية” ! و السكوت على العار “حكمة” ! و المرحلة الاستعمارية بكل جرائمها “ذاكرة مشتركة” يحتفى بها ، و التصالح مع من يصرح بأن شرط وجوده إبادتك “حكمة” ! و الانتحار السوقي “عبادة”! و الركوع للمتوحشين الدمويين اللاذرة إنسانية فيهم و “التطبيع” معهم “تعايشا” !! و “بعد نظر “! “و نظرة استراتيجية “!! .

و ها هي غربان و مواشي إنسية تصيح ” عاش عدونا و لننقرض نحن ” !! (من فرض الهوان). إلا أن المهم الذي يلزم استحضاره أمام كل ثقل و هول هذه المرحلة ،أن لا شيء نهائي ،و لا شمولية للتاريخ و للشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، (أو أن ليس للتاريخ “ليبريتو” (Libretto ) كما خلد ذلك ألكسندر هيرزن Alexander Herzen ، و أصبح بذلك عدوا لكارل ماركس و للقيصر في نفس الوقت !! ، و يتم تغييبه اليوم بشكل رهيب من الفكر الفلسفي و من علم التاريخ !!!) ،و أن كل شيء / كل حال متوقف على فعل الفاعلين ….إلا أن الفاعلين (المفترضين) في خندق إعادة التاريخ إلى مساره الصحيح ،مدعوون للوعي بكونهم أمام خصوم عائدين من الماضي بعواصم الغرب ،ينضافون إلى الذين استمروا بكل عافيتهم بقلاع الاستبداد (المزهويين جهلا فظيعا، بعودة نظراء لهم بالغرب) ، مما يقتضي عتادا جديدا للقتال و الفعل ،لأن العدو ليس نفسه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق