المقالات

بين دفتر الحالة المدنية وشهادة تحفيظ المساكن(عز العرب لحكيم بناني)

كلما حلَّ فصل الشتاء ونزل المطر بغزارة يفرح قوم لسقوط المطر – ما دام يعد بموسم فلاحي جيد- بينما يخشى البعض الآخر على انهيار المنازل الآلية للسقوط في المدن العتيقة.هل هناك حلٌّ جذريٌّ؟ لا أظنُّ ذلك، لأنّنا لا نتجرَّأ على أن نفعل ما فعله هاوسمان Hausmann بباريس خلال حكم نابوليون الثالث؟ تمَّ تدميرُ جزءٍ كبيرٍ من المساكن المتقادمة بباريس لوضع معالم مدينة جديدة على أنقاض المدينة القديمة الوسيطة. لا أدري هل كان هذا ضرورياًّ. على أيِّ حال ينصحُنا الفرنسيّون ألا نفعل بمُدُنِنا العتيقة ما فعله الفرنسيّون بالمعمار الوسيط. وحينما قرأت رواية بيير لوتي Pierre Loti عن رحلته إلى فاس قبيل الحماية الفرنسية، شعُرت كم وقف ذاهلا أمام المدينة القديمة في فاس. أعجِبَ بفاس أعجاباً كبيرا.

لماذا؟لأنَّ فاس ذكَّرَت بيير لوتي بأوروبا العصرِ الوسيطِ. يُذَكِّرُ حاضرُ فاس بماضي فرنسا. من خلال فاس ينظُرُ الفرنسيون إلى جزءٍ من ماضيهم. وهذا ما يُقالُ بالأولى والأحرى على الإسبان، حيث يختلطُ الماضي بالحاضرِ في المدُنِ الأندلسية.لا أدري إلى أيِّ حدٍّ يجب صيانة التراث المعماري العتيق دون تتحوَّلَ المساكنُ العتيقةُ إلى خطرٍ على السُّكان.

نعلم أنَّ سجلَّ الحالة المدنيّةِ يتضمَّنُ تاريخَ الميلاد ولكنه يتضمّنُ كذلك تاريخَ الوفاةِ، أي تاريخ الذهاب إلى المقبرة. من باب المقارنة، نعلم أن أي منتوج صناعي من سيارات وآلاتٍ وأجهزة كمبيوتر تحمل تاريخ تصنيعها، مع ضرورة التفكير في مآلها المرتقب بعد انتهاء الصّلاحيّة. يطرح تصنيع واستعمالُ كلِّ تلك الآلات مشاكل جمّةٍ، لأننا نفكر في فائدتها ولا نفكر في عبئها حينما تتحوَّلُ إلى متلاشيات.

ألا نستطيع تطبيق نفس الشيء على السكن الآيل للسقوط؟نعلم جيداً أنه يجب تحفيظ كل بيت وتسجيله في المحافظة العقارية. نحن نعلم تاريخ بنائه ولكن سجل المحافظة العقارية لا يتضمّن مدّة صلاحية البيت أو آجالا تقريبيةً يصبح معها آيلا للسقوط. هل فكَّرَ خبراءُ الهندسة المعمارية والمواد الصلبة في هذا الأمرِ؟ لا نريدُ أن تتحوَّلُ مساكنُ اليوم إلى مقابر الغد. لا نريدُ أن نفعلَ بمُدننا العتيقة ما فعله هاوسمان بباريس، ولكنَّه على الأقلِّ كان يملك القدرة على استشراف المسقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق