المقالات

“تهويد الأندلس”: تزوير التاريخ العريق لأغراض أيديولوجية حديثة(إغانطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا)_2_

استغلال الإرث الأندلسي لخدمة أجندات سياسية

  • تحالف اليمين المتطرف

من المفارقات العجيبة في هذا السياق أن اليمين المتطرف في أوروبا الذي كان حتى وقت قريب يعادي ما يُسمى “الهيمنة اليهودية” أصبح اليوم أحد أبرز الداعمين “للإحياء اليهودي” في إسبانيا، بعد تحالفه مع جماعات الضغط “الصهيونية”. وقد أدى هذا التحالف غير المتوقع إلى تشويه متعمد لصورة التاريخ الإسلامي للأندلس، بهدف تعزيز رؤية بديلة تخدم مصالح سياسية وأيديولوجية معينة.

ونتيجة لذلك، باتت الأحزاب اليمينية الإسبانية التي كانت ترفض سابقًا الاعتراف بأي دور يهودي في أوروبا من أشد المناصرين لإبراز العنصر اليهودي في سردية الأندلس، في الوقت الذي تتصاعد فيه حملات الإسلاموفوبيا في القارة الأوروبية.

  • غياب الدور العربي في مواجهة التزييف

وسط هذه التحولات، يبرز التساؤل: أين المؤسسات الثقافية العربية من هذه الحملة المنظمة لإعادة صياغة التاريخ؟ ولماذا لم نشهد تحركًا جادًّا من الجامعات والمراكز البحثية العربية لتوثيق الإرث الأندلسي والدفاع عن هويته الإسلامية؟ إن غياب الرواية العربية عن المشهد يسمح لهذه التوجهات بالتوسع من دون رادع، وذلك يستوجب تفعيل جهود بحثية وإعلامية لمواجهة هذا التزييف الممنهج وإعادة تقديم الأندلس بصورتها الحقيقية كإحدى أهم محطات التفاعل الحضاري الإسلامي في أوروبا.

  • خطاب أنصار “التهويد الأندلسي”

تكشف أدبيات أنصار التهويد الأندلسي عن خطاب مؤدلج آخذ في التمدد داخل الأوساط الأكاديمية والثقافية والسياسية، مدعومًا بجهات رسمية تشرف على عمليات الترميم وإعادة الإعمار، ويتمثل في نقاط رئيسية:

حمل هذا الخطاب هجوما عنيفا شنه أحد رموز هذا التيار التهويدي مؤخرًا على الأستاذ جرجس ليرولا والجمعيات الأهلية التي تدافع عن الإرث الأندلسي، وذلك في رسالة نشرتها صحيفة “لا تريبونا” الصادرة في ألميريا. هاجم كاتب المقال دعوات الأستاذ ليرولا لسحب اللافتات والإعلانات التي نصبتها بلدية المدينة في بعض الشوارع الرئيسية، والتي تزعم أن هذه الأماكن كانت أزقة للحارة اليهودية أو مواقع لمعابد عبرية، رغم غياب أي دليل تاريخي أو أثري يؤكد هذه الادعاءات. لهذا تركّز موقف الجمعيات المدافعة عن الإرث الأندلسي على ضرورة إعادة النظر في هذه الممارسات، وحماية الذاكرة التاريخية للمدينة من التزييف المتعمد.

تكتيكات أنصار التهويد

هذه الدعوات قوبلت برد فعل متوقع من أنصار التهويد الذين لجؤوا إلى تكتيكاتهم المعهودة في تشويه خصومهم. فقد احتوت الرسالة على مجموعة من المغالطات والتأويلات التي دأبت الجماعات المرتبطة بالمصالح الإسرائيلية في أوروبا على الترويج لها، إذ حاول كاتبها ربط التشكيك في صحة اللافتات اليهودية المزعومة “بمعاداة السامية” وإنكار المحرقة النازية. وبحسب منطقه، فإن كل من يعترض على المبالغة في إبراز الدور اليهودي في الأندلس يُعامل كما لو كان “ينكر الهولوكوست”، في محاولة مكشوفة لمصادرة أي نقاش موضوعي حول هذا الملف.

وأصبحت إستراتيجية “معاداة السامية” مكررة ومكشوفة، إذ يستخدمها اللوبي الصهيوني عالميا لإسكات أي أصوات تنتقد سياسات إسرائيل أو تعترض على محاولات إعادة كتابة التاريخ وفق مصالح ضيقة. ففي كل مرة يُثار فيها الجدل حول الروايات التاريخية، تسارع هذه الجهات إلى شيطنة المعارضين، مستخدمة سلاح “معاداة السامية” لإسكات أي جدل أكاديمي أو موضوعي.

ومن اللافت أن صاحب مقال صحيفة “لا تريبونا”، كارميلو لوبيث كاريكي، الذي يترأس جمعية تُعنى “بالترويج للثقافة السفاردية”، يرتبط بعلاقات وثيقة مع السلطات المحلية في ألميريا. كذلك فإن منظمته، إلى جانب مؤسسات أخرى تنشط في مجال “إحياء التراث اليهودي”، تتلقى تمويلًا مباشرًا وغير مباشر من جهات إسرائيلية ومنظمات ضغط مرتبطة بها في أوروبا. ويعكس هذا التمويل مدى التداخل بين الأجندات الثقافية والسياسية، إذ يجري استغلال الإرث الأندلسي كأداة لخدمة مصالح معينة، بعيدًا عن الحقائق التاريخية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق