المقالات

تقديم كتاب: جينيالوجيا اللغويات العربية(إدريس مقبول)

الكتاب: جينيالوجيا اللغويات العربية: بحث في القيم التصورية والجمالية عند الجرجاني

الكاتب: عبد المجيد طلحة

دار النشر: إفريقيا الشرق

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وبعد.

فإن أنساق اللغة الظاهرة وبنياتها المتعيِّنة لا تنفك في عين فيلسوف اللغة عن ما ورائياتها وعن خلفياتها التصورية والاعتقادية المضمَرة، وهي مسلمة من مسلمات النظر الفاحص منذ القديم، فقد كان النُّظار الكبار وحُذّاق اللغويين وأساطين البلاغة والبيان على وعي بما يصل اللسان بمراجعه ومقدماته وخرائطه الإدراكية التي يقع فيها تفصيل العلاقة بين الإنسان والعالم  وما وراء العالم.

وعلى رأس من أشرنا إليهم ممن فقهوا هذا الضَّرب من فلسفة اللغة ووقفوا على أسرارها يأتي الإمام الشافعي المذهب الأشعري العقيدة عبد القاهر الجرجاني الذي عاش في القرن الخامس الهجري، وبرع في فنون كثيرة، واشتهر من تآليفه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة ، فكانا علامة على نبوغه ومفتاحا من مفاتيح تقدُّمه ورئاسته في ميدان اللغة وبلاغتها.

عبد المجيد طلحة

وفي هذا الكتاب الذي نقدمه في مركز ابن غازي للباحث عبد المجيد طلحة يصادف القارئ صورة من صور البحث الدقيق والمتشابك على مساحة ميتافيزيقا اللغة وما سميناه بالمقدمات التصورية  المضمرة في  اللسان العربي، والتي تعكس فضلا عن قيمة التوحيد كافة القيم الإبستمولوجية و الإستيطيقية التي تميز النسق اللساني العربي عن باقي الأنساق كما تستدعي بالضرورة كما يرى الأستاذ عبد المجيد طلحة جريا على مذهب أستاذه الكبير مولاي أحمد العلوي نموذجا تصوريا للسانيات العربية ينسجم مع ميتافيزيقا اللغة العربية ويناسبها.

إذا ما تجاوزنا الموضوع الجذاب والمغري لهذا الكتاب فإن ما ترجع إليه جاذبيته هو  سعة اطلاع  كاتبه الدكتور عبد المجيد طلحة على المدونة التراثية من خلال نصوص اللغة والتفاسير وكتب الأصول وعلم الكلام والمنطق وغيرها مع انفتاح واضح وقوي على المنجز الغربي أهَّله ليقوم في مقام الاستشكال والنقد والتفكيك للأطر اللسانية الغربية ولفلسفاتها في إطار حوار أكاديمي يتسم بقدر كبير من شجاعة التجاوز واجتراح آفاق أصيلة في النظر لمسائل اللغة وديناميتها واستعمالها.

ومما يراهن عليه الكتاب هو إعادة قراءة النص الجرجاني بالانضباط لأصوله النظرية ومرجعيته الكلامية والدفع به إلى مداه تحقيقا لما يسميه “عدالة فعل القراءة” والاستفادة منه في تطوير البحث اللغوي والدرس اللساني العربي الحديث.

في الختام نرجو أن نكون بإخراجنا لهذا العمل قد أضفنا إلى المكتبة العربية أحد النصوص المهمة التي تفتح الآفاق بأسئلتها قبل إجاباتها، وأن يجزي خيرا مؤلفه على ما بذل من وقت وجهد في سبيله، وأن يكون له من المؤلف ما بعده، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق