المقالات

آخر أسلحة الاسلاموفوبيا وأوهنها (أبو يعرب المرزوقي)

يمكن حصر الأسلحة التي استعملها الاستعمار ضد الشعوب المستضعة في خمسة أنواع:

1-نوعان منها ذاتيان ينتسبان إلى صراع حضاري خسرنا رهانه. وهما سر القوة المادية التي هزمت المسلمين لما تفوقت أوروبا علينا في ما كنا متقدمين عليها به:

* في العلوم التي تمكن من الاستعمار في الأرض.

*-وتطبيقاتها الاقتصادية والسياسية عامة والحربية خاصة.

فخلال الحروب الصليبية كان الغرب هو الأقوى روحيا بعد انفراط عقد الخلافة الأولى (في المدينة) والثانية (في الشام) والثالثة (في الاندلس) فاستطاع تجميع قواه والهجوم بدل الاقتصار على الدفاع في أوروبا لكنه كان الأضعف ماديا بسبب تقدم المسلمين عليه في العلوم وتطبيقاتها.

وظل الأمر كذلك إلى أن انقلبت الآية فهزمت الخلافة العثمانية بداية من منتصف القرن السابع عشر رغم أنها مثلت انبعاثا للقوة الروحية لأن شعبا بكرا شرع في استئناف الفتح ولكن دون سيطرة على الفوضى الداخلية في دار الإسلام ودون متابعة شروط القوة المادية التي تنامت في الغرب (وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك في المقدمة). ذلك أن الجمع بين القوتين المادية والروحية هو سر تغلب الاسترداديين وما تلاهم من الحركة الاستعمارية التي عمت العالم بعد السيطرة على الأقليم وعلى ما حوله بعد الاحاطة به باكتشاف أمريكا والممرات من حوله.

2-نوعان ذاتيان لاستراتيجيات الاستعمار الذي يعمل على علم ينتجان عن العلاج العلمي لأسرار القوة المادية والروحية عند الشعوب التي يغزوها. ذلك أن موازين القوة بين الحضارات مهما تباعدت تبقى في الغاية ذات صلة بأسرار التاريخ بنوعيها وفي حدود التفاوت الممكن بشريا بينها:

* السر الأول هو مقومات اللحمة الروحية في الجماعة التي تعينت فيها تلك الحضارة لأن الحضارات الكبرى التي من جنس الإسلام أو حتى المسيحية خلال لقائهما منذ الفتح الإسلامي ليست بين دولتين بل يمكن اعتبارها بين ما يشبه الحلفين غير المستقرين.

*-السر الثاني هو مقومات النسيج الحامي للكيان في الجماعة بالقياس إلى الأخطار الخارجية أو ما يمكن رده إلى العصبية الحضارية إن تسامحنا فوسعنا المصلطح الخلدونيفلولا ذلك لما أمكن المحافظة على الاسلام في المغرب كله وفي الخليج كله لأن دور الخلافة العثمانية كان حاسما في أيقاف الاسترداد رغم تنكر الحمقى من العرب لفضلها.: لم يحرر تونس والجزائر وليبيا والخليج من الاسبان والبرتغاليين إلى الاسطول العثماني.وهذان النوعان كان دورهما أكبر من دور القوتين الذاتيتين للغرب في سقوط الخلافة الإسلامية الأولى (الراشدة) والثانية (الأموية الكبرى) والثالثة (الأموية الصغرى) والرابعة (العباسية) والأخيرة (العثمانية). ولم أذكر العباسية لأنها تمثل بداية التراجع وتفتت دولة الإسلام واسعادة الشعوبيات دورها في الدس على وحدة الأمة بمبدأي النساء 1 والحجرات 13 بخلاف كل أكاذيب من يريد أن يحقر من الأمويتين والعثمانية. فلا حركة الترجمة بدأت معها لأنها كانت مصاحبة لظاهرتين حدثتا في الخلافة الأموية الكبرى:

1-أي تعريب الإدارة وتنظم الإدارة والمالية العمومية بعملة إسلامية (عبد الملك بن مروان والحجاج المشوهين شيعيا) وتلك بداية الاستقلال الحضاري الحقيقي في ما يتعلق بالاستعمار في الأرض

2-ومعها وضع استراتيجيات الفتح على العلوم اليونانية: فأول كتاب ترجم كان في استراتيجية تنظيم الجيوش ثم في الجغرافيا الرياضية والحركة في البر والبحر.والنوع الأخير والخامس هو أصلها جميعا أعني غياب الاستراتيجية المناسبة التي أدت إلى بداية البدايات والتي جعلت الأنواع الأربعة تعمل بسبب تعطلها أعني غياب الدراية باستراتيجية القرآن التي طبقها الرسول والراشدان الأولان.وهو ما سميته تحريف علوم الملة لقاعدة القرآن الكريم التأويلية عندما عكسوا آل عمران 7 التي تنهى عن التأويل فجعلوها تؤسس لخرافة الراسخين في العلم المزعومين ورثة الأنبياء وعكسوا فصلت 53 التي تعوض التأويل بالتحليل فجعلوها للاعتبار وليست توجيها للبحث العلمي في الآفاق والأنفس لتبين حقيقة القرآن.وذلك هو سر الضعف المادي والروحي لأنه علة غياب اللحمة الروحية والقوة المادية للعصبية في الحلف الإسلامي المتراخي الذي يجعل الكثير من “الدويلات” كما نراها الآن مستعدة للحلف مع العدو للتشفي في الجار ولو أدى ذلك يكون مآلهم كلهم إلى الدمار.وهذا أشبه بما يحصل بين الورثة لنفس العقار: يتخاصمون فيه فيأكله الحكام والمحامون وفي النهاية لا يرث أحد منه إلى الدمار الذي يبقى فيباغ بأبخس الأثمان. كذلك احتل الاسبان تونس والجزائر وليبيا والرتغال الخليج والقرن الافريقي مثلا بطلب من حكامها في صراعهم في مابينهم.ولا يزال الأمر كذلك إلى الآن: فالعرب اليوم -الحكام ونخبهم من الصنفين الدينية والحداثية-انقسموا إلى محميات: بعضها تحتمي بإيران من اسرائيل وبعضها تحتمي باسرائيل من إيران مصدقين لعبتهما لتقاسم الأقليم بأيدي اصحابه وتمويلهم لأنهم في حرب أهلية دائمة فصار القريب عدوا والعدو قريبا.اعود إلى العنوان الذي فكرت أول مرة لما تصورت هذه المحاولة ثم عدلت عته. فكرتت في جعله قولة للفاروق: “لست بالخب لكن الخب لا يخدعني” لمناسبتها للظرف الذي يحدده حاليا انقسام العرب إلى نوعي الشعب المخدوع بسبب حمق قياداته ونخبه:

* الشعب المخدوع قياداته السياسية ونخبه الثقافية بالاحتماء بإيران ومن وراءها

*-العشب المخدوع قياداته السياسية ونخبه الثقافية بالاحتماء باسرائيل ومنم وراءها. فكلمة الفاروق وموقفه الحاسم يوم السقيفة لما بايع ابا بكر هما ما حال دون بداية الفتنة حول الحكم (الغزالي فضائح الباطنية). وهي التي تجعلني لا أثق في القيادات السياسية والنخب الخادمة لها بوعي أو بغير وعي.وهي الكلمة التي تفسر اغتياله. فما كانوا ليغتالوه وما كانت قصة تأليه الأيمة الشيعية مع بداية الاغتيالات السياسية-بدأت بالفاروق وبلغت الذورة باغتيال عثمان- تكون أقوى أسلحة عدوي الأمة -الصهيونية والصفوية-ما كانت لتنجح عملية التخريب هذه في ادخال الأمة في الحرب الأهلية الدائمة لو لم يكن مغتالوه (المجوسي) وصانعوا الفتنة الطائفية (السبئي) مدركين لهذا النوع الثاني ببعديه: استراتيجية التخريب متقدمة على استراتيجية التهديم. ما اريد بيانه هو أن هذين الأداتين ما زالتا أقوى أدوات الاستعمار الغربي للمسلمين. لذلك فلما بدأت دراسة تاريخ الإسلام قدمت الاستشراق الذي هذا دوره على المؤرخين المسلمين لأن مطلبي لم يكن معرفة التاريخ إذ يعسر الخروج من رويات المؤرخين قبل وضع ابن خلدون نظريته في شروط عليمته بل معرفة الثغرات التي ولج منها الاستعمار لتوهين اللحمة الروحية. بدأت بكتب المستشرقين حول الفرق الغالية وخاصة حول الحشاشين وبقايا الدولة الفاطمية الذين انتشروا بعد اسقاط صلاح الدين للفاطميين:برنار لويس ورسالته حول الحشاشين خاصة ماسينيون وبحوثه حول النصيرية والحلاج.ذلك أني اعتقد أن من شروط استعمال استراتيجية سن تسو التي تخرب اللحمة الروحية في الجماعة متقدمة في كل استرايتيجة على استراتيجية كلاوسفيتس التي تهدم القوة المادية في الجماعة.المعلوم أن كلاوسفيتز قسم مراحل هزيمة العدو إلى ثلاثة فجعل الانهيار الروحي أو التوقف عن المقاومة في الجماعة العلامة النهائية للنصر عند الغازي والهزيمة عند المغزو.والمعلوم أني قد حللت المرحلتين الأوليين فبينت أنهما مستحيلتان من دون أن تتقدم هذه المرحلة فتكون محايثة لكل واحدة منهما ولها تعريف شديد الوضوح:

1- فلا يمكن أن ينكسر الجيش بسبب عدم كفاية التسلح لأن المطاولة تغني عن المناجزة فتحيد هذا العامل بتجنب المجابهة المباشرة. وإذن فنظرية كلاوسفيتز لم تأخذ بعين الاعتبار ما سبق إليه ابن خلدون للجمع بين القوتين في كل مراحل الحرب.

2-ولا يمكن أن يفتك العدو شروط تواصل المعارك ولو بعد انكسار مؤقت للجيس-أي مصادر ثروته واعادة البناء- إذا لم يكن الشعب قد استسلم لأن بقاء المقاومة الشعبية ومحافظتها على الأرض يحولان دون العدو ومنع اعادة تكوين القوة العسكرية.لذلك ضاعفت المرحلتين الأوليين انطلاقا من نظرية ابن خلدون وصارتا ذاتي صلة بالقوة الروحية أساسا وهي كامنة فيهما فتكون عناصر الاستراتيجية خمسة وليست ثلاثة باضافة القوتين الماديتين:

1-فالجيش قوة مادية (السلاح) وقوة روحية (المعنويات). لذلك فيمكن أن ينكسر الجيش ماديا ولكن بصورة مؤقتة

2- إذا كانت المعنويات لديه ذات قوة روحية لا تقبل بالهزيمة فتواصل المقاومة بالموجود والمطاولة.فمثلا جيش السعودية ماديا لا وجه لمقارنة جيش الخوثيين به. لكن المعنويات في جيش السعودية صفر.نفس الشيء في حرب 67: لم يكن الجيس الإسرائيلي اكثر تسليحا حتى وإن كان تسليحه من حيث الكيف أفضل والدليل تمكن مصر بالاستنزاف أي المطاولة التغلب على هذا العامل كما حصل في حرب 73.

والخليج لو كان حقا ذا لحمة تؤيد فيها الافعال الأقوال لكان وحده كافيا لهزيمة إيران لأن القوة المادية ليست الجيش فحسب بل أيضا وخاصة الاقتصاد:

1-فأي إمارة عربية من الإمارات الغنية الثلاث (الامارات والكويت وقطر) لها من المال ما يفوق إيران مع قلة السكان ما يعني أن ثروة إيران تقسم على 80 مليون وثروتهم على ثلاثة ملايين: وذلك هو الفارق المادي الذي فقد فاعليته لغياب اللحمة الروحية في عرب الخليج.

2-وقس عليهم أهل شمال افريقيا: الجزائر والمغرب وحدهما كافيان لو تصالحا في جعل فرسنا تابعة لنا بدل العكس. فهما وحدهما حايزان على مساحة وثروات كل اوروبا دونها ثراء لولا أن الاوربيين يعملون ويتعانون والعرب “يشخرون” ويتحاربون لغباء القيادات والنخب.والحصيلة هي أن اعداءنا لم يغلبوننا بالتقدم العلمي والتقني وحده وإن كنت لا أنفي ذلك لكنه على الاقل منذ أكثر من قرن لم يبق محددا لأن كل الشعوب بشيء من الذكاء تستطيع تدارك هذا العامل وإذن فالعدو لم يغلبنا بالسلاح ولا حتى بالسند الخارجي لأن المساندين كانوا سيتوقفون لم تأكدوا من فاعلية اللحمة بين العرب بل هو غلبنا بتراخي قيادات الجيوش العربية وقيادات المحميات العربية التي صدقت صوت العرب والدجال حسنين هيكل واكاذيب الممانعة وعنتريات القذافي وصدام وكل الذين يتجاهلون سر الهزائم.يكفي أن تتجاوز الخطاب لتنظر إلى ما يبطن بدلا مما يظهر : اقرأ كتاب الثورة المزعوم فهو يبني أن المقصود بالقومية عند عبد الناصر هو مصر الفتاة عند هيكل.فكل العرب والمسلمين والافارقة مجرد مجال حيوي لمصر. وقس عليه البعث بشقيه والقذافية بشعوذاتها حتى صار القذافي فاطيما في أواخر أيامه ثم محتميا بعمومته واخواله إذ من المعلوم أن حذرهم من الربيع الذي يمثل خطار على اسرائيل. وقس عليه بورقيبة الذي لا يعتبر تونس عربية ولا أسلامية بل هو مكلف بفرنستها ثقافيا.ولو لم يكن معه الكثير من المخلصين للوطن فحاولوا دون تسريع هذه الفر نسة لكانت تونس مثل الكثير من دول افريقيا قد فقدت هويتها الحضارية ولصارت العربية فيها لغة اجنبية.ضربت هذه الأمثلة لأبين أن نظرية ابن خلدون في الحرب لا يمكن أن تفهم من دون التوليف بين عاملي قوة الأمم: المادية ببعديها العسكري والاقتصادي والروحية ببعديها لحمة للحد من الحروب الأهلية في الجماعة وحماية للتوحد أمام الغدو الخارجي بالمقابلة بين الحضارات.لكن ابن خلدون انطلاقا من مفهوم الإنسان القرآني -النساء 1 والحجرات 13-يعرفه بكونه رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له فيرفض أن يكون أساس الاستراتيجية الكونية لتوحيد البشرية استعمارا بل هي تعمير ومن ثم فهو:

1-يرفض نظرية سن تسو التي تخرب الإنسان روحيا: الفتح لتحرير البشر من عبادة العباد بعبادة رب العباد.

2-يرفض نظرية كلاوسفيتس التي تهدم الإنسان ماديا: الفتح لتوسيع الوحدة البشرية والحضارية لأن التعدد العرقي والحضاري وتنوع الالوان واللغات في القرآن من آيات اللهاكتب هذا ليس للكلام على الماضي ولا حتى على الحاضر بل على المستقبل لإيماني بأن الكرة الثانية هي عودة الإسلام إلى التاريخ الكوني لأداء دور الامة الشاهدة على العالمين بتطبيق النساء 1 والحجرات 13 وتخليص البشرية من سن تسو وكلاوسفيتس استراتيجيا اقتصاديا وحربيا ومن هيجل وماركس استرتيجيا تربويا وسياسيا بفضل رؤية ابن خلدون. ومن ثم فقد اكتشفنا آخر اسلحة الاسلاموفوبيا التي بقيت للاستعمار.كلكم لاحظتم أن آخر هذه الأسلحة هي التي ستفقد الأعداء أداة الادوات التي يواصل بيها اخفاء حقيقة افلاسه: فهو يتنكر لكل ما يدعيه من القيم وآخرها قيمة الاعلام الحر والمحمي في الحروب.فشلت حملة الجام التواصل الاجتماعي وفشلت حملة تكميم الصحافة وفشت الحملات العسكرية قبلها وأصبح الغرب يعاني مما كان يريد بثه في المستعمرات من فتن طائفية وعرقية وثقافية فإذا به اليوم أمام نفس هذه التحديات كلها في عقر دارهوالمثال هو فرنسا: فرنسا كما كانت رمز الحروب الصليبية فهي اليوم رمز الاسلاموفوبيا: لا يمكن لأي عاقل أن يصدق أن فرنسا اليوم يقود أمنها: حركي موتور (وزير الداخلية) وصهيوني مذعور (ريئي الدولة) وكلاهما لا علاقة له بالتنوير ولا بمباديء الثورة الفرنسية على الاقل في الشعارات. وفي الحقيقة هزيمة فرنسا اليوم لم يعد ينكرها إلى الحمقى من النخب المغاربية وخاصة بعد أن فضحتها جائجة كورونا: ففرنسا اليوم تعاني من الدين أكثر حتى من تونس وهي ثفافيا في آخر الركب الغربي ولولا حمق اللاجئيين اليها لتمويل افريقيا المزعوم مثل غبي المنيهلة لأدرك الجميع أن اللقاء ليس لتمويل افريقيا بل لنهب افريقيا حتى تتمكن فرنسا من تسديد ديونها العامة التي بلغت 120 في المائة: لولا غباء القيادات الأفريقية التي من جنس دميتنا لأصبحت الكوميسيون المالي في الشنزيليزي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق