المقالات

ماذا تبقى من فلسطين؟(حمدي علي حسين)_2_

ثانيًا: الجغرافيا وحل الدولتين

بالنظر إلى الواقع الجيوسياسي للضفة الغربية بعد 30 عامًا على اتفاق أوسلو، لا يمكن إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًّا دون انسحاب إسرائيلي وفك البنية الاستعمارية للمستوطنات التي قطعت أوصال التجمعات الفلسطينية. فقد شكَّل عامل الزمن حليفًا لإسرائيل لتوسيع مشروعها على الأرض ليشكل مع تقدم الوقت واقعًا يجعل من فكرة التفاوض مستحيلة، فإسرائيل تبني مستوطنات وتطور نفسها وتزيد من أعداد مستوطنيها. ومن ناحية السيادة، فان إسرائيل كانت -ولا تزال- تسيطر على المعابر الحدودية مع الأردن ومع المناطق المحتلة عام 1948، وهذا ما أعطاها قدرة على التحكم في حركة عبور الفلسطينيين والصادرات والواردات، كما تسيطر على الموارد الاقتصادية والمياه، وتحبط محاولات تحقيق التنمية للفلسطينيين، في ظل استمرار ربط العملة والتعامل مع المناطق الفلسطينية كسوق لإسرائيل ومنتجاتها.

يبلغ إجمالي مساحة الضفة الغربية حوالي 5660 كم2، صُنِّف ما يقارب 1000كم2 منها مناطق (أ) بما نسبته 17.6% من إجمالي مساحة الضفة، والتي يجب أن تخضع أمنيًّا ومدنيًّا بشكل كامل للسلطة الفلسطينية. وهي المساحات التي سُلِّمت فعليًّا للسلطة بموجب اتفاق الانسحاب المرحلي خلال الفترة الانتقالية، ومارست السلطة فيها صلاحيات أمنية ومدنية شبه كاملة، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 أعادت إسرائيل احتلال هذه المناطق بشكل كامل ولم تنسحب منها بشكل كلي، ولا تزال إسرائيل تعمل أمنيًّا فيها رغم وجود أجهزة أمنية تنسق معها. أي إن السيادة الفلسطينية المتاحة فيها تسير وفق المساحة التي تقررها إسرائيل، والصلاحيات الأمنية محددة في إطار الاجتماعات الأمنية المشتركة.  

فيما تبلغ المساحات المصنفة (ب) حوالي 1035 كم2 بما يعادل 18.2% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وهي مناطق من المفروض أن تخضع أمنيًّا لإسرائيل ومدنيًّا للسلطة الفلسطينية. وتتمثل هذه المناطق في الضواحي التابعة للمحافظات الفلسطينية، وأغلبها مناطق ريفية تقام عليها القرى الفلسطينية، وتقدم فيها السلطة خدمات التعليم والصحة، وتعمل فيها البلديات التابعة لوزارة الحكم المحلي الفلسطينية، وهي بؤر معزولة غالبًا لأنها محاطة بالمناطق المصنفة (ج) وبالمستوطنات الإسرائيلية والجدار، وغير متصلة في أغلب المحافظات مع المناطق المصنفة (أ) (انظر الجدول رقم 1).

الجدول (1): الواقع الجغرافي والديمغرافي للضفة الغربية الواقعة تحت الاحتلال وتقسيمات اتفاق أوسلو عام 2022(8)

المحافظةعدد السكان/ المقدر منتصف عام 2022(9)المساحة/ كم2المناطق المصنفة أ/  كم2  ونسبتها من مجموع مساحة المحافظةالمناطق المصنفة ب/  كم2 ونسبتها من مجموع مساحة المحافظةالمناطق المصنفة ج /  كم2 ونسبتها من مجموع مساحة المحافظةمساحات غير محددة/ كم2
قلقيلية124332 1654(2.4%)41(24.8%)120(72.8%)0.3
رام الله والبيرة362602 855.295.3(11.1%)209.8(24.5%)550(64.3%)0.1
القدس(10)482064 349.40.90.02%29.2(8.3%)244.9(70.1%)0.1 + 71 تتبع لـ ((J1
الخليل(11)802172 1000250.3(25.3%)238.4 (23.8%)465.7 (46.5%)37.3 محمية طبيعية،  4 (H2) ،  4.3 غير محدد
بيت لحم239740 655.449.6(7.5%)37.2(5.6%)441.4(67.3%)126.8 محمية طبيعية، 0.4 غير محددة
طولكرم202401 246.556.1(22.7%)88 (35.6%)101.8(41.2%)0.6
جنين345875 583.7284.5(48.7%)103.5(17.7%)195.2(33.4%)0.5
نابلس423572 598.5107.6(17.9%)231.2(38.6%)259.743.3%0
سلفيت84000 204.416.3(7.9%)35.1(17.1%)153(74.8%)0
طوباس والأغوار الشمالية67340 408.767.4(16.4%)20.8(5.0%)320.1(78.3%)0.4
أريحا والأغوار54289 592.968.2(11.5%)0.8(0.1 %)523.2(88.2%)0.7

يعيش حوالي 90% من الفلسطينيين في المناطق المصنفة (أ) و(ب)، في حين يعيش الـ10% في المناطق المصنفة (ج)، التي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة، وتتبع أمنيًّا ومدنيًّا لإسرائيل دون السماح للسلطة الفلسطينية بممارسة دورها في هذه المناطق من النواحي المدنية إلا باستثناء يُمنح من قبل الإدارة المدنية لبعض المجالس المحلية لممارسة دور محدود. وتسعى إسرائيل إلى التضييق على سكان هذه المناطق عبر سياسات ممنهجة تقوم على ربط هذه التجمعات بالإدارة المدنية الإسرائيلية التي تقيد التوسع العمراني، وتقنن الخدمات المقدمة للسكان وتحد من نشاطهم. ومن أبرز هذه المناطق الأغوار الفلسطينية التي تشكِّل حوالي ربع مساحة الضفة الغربية، ويعيش عليها 2% من مجموع سكان الضفة، والتي تحتوي على مناطق زراعية تشكِّل 38.8% من مساحتها، ويمكن أن تشكل سلة غذائية لفلسطين، إلا أن الاحتلال يسمح للفلسطينيين بزراعة ما يقارب 18% منها، فيما تسيطر إسرائيل على 55.5% من مساحة الأغوار لأغراض عسكرية، وأقامت فيها 90 موقعًا عسكريًّا منذ احتلالها عام 1967، وأقامت فيها 36 مستوطنة، يسكنها 9500 مستوطن مقابل 62 ألفًا و854 مواطنًا فلسطينيًّا. تشهد المنطقة عمليات هدم مستمرة في البلدات الفلسطينية الـ27 المقامة على أراضيها، فيما يجري تهجير البدو من تجمعاتهم باستمرار عبر هدم منشآتهم ومضاربهم(12).

كما أجرت إسرائيل تغييرات جغرافية على الضفة الغربية؛ حيث قسمتها إلى كانتونات بعد بناء الجدار الذي امتد بطول يقارب 712 كم، والتهم وعزل حوالي 10% من مساحة الضفة. و يعيش داخل حدوده 88% من مجموع المستعمرين في مناطق داخل الجدار، بينما يقيم 12% منهم خارجها(13)، وخلَّف آثارًا اجتماعية واقتصادية على الفلسطينيين منها ضرب البنية الاجتماعية للسكان ومصادرة آلاف الدونمات الزراعية. وترصد المؤسسات الفلسطينية 190 قرية وبلدة وتجمعًا سكانيًّا يعزلها ويؤثر عليها جدار الضم والتوسع الإسرائيلي؛ بينها 40 تجمعًا معزولة بالكامل والمعروفة بـ”قرى التماس”، وهي القرى الواقعة على خط الهدنة (الخط الأخضر) الفاصل بين حدود فلسطين المحتلة، عام 1948، والمناطق المحتلة عام 1967(14). ومنها ما يقع في إطار “المنطقة الحرام” وهي مساحات فارغة تقع في محافظة القدس، يمنع الاحتلال السكان من استغلالها كونها واقعة بين الخط الأخضر وخطوط القتال في إطار اتفاقيات الهدنة التي تم توقيعها من قبل مصر والأردن وسوريا بشكل منفصل مع إسرائيل في رودس، عام 1949.

وقد واصلت إسرائيل بناء المستوطنات في الضفة الغربية بعد اتفاق مدريد للسلام عام 1991، حيث أقامت ما يقارب 11 مستوطنة جديدة(15)، فيما تضاعفت أعداد المستوطنين ثلاثة أضعاف ونصفًا، حيث ارتفع من حوالي 230 ألف مستوطن إلى حوالي 712 ألف مستوطن بحلول عام 2020(16). وأضيفت هذه المستوطنات إلى 140 مستوطنة أقيمت سابقًا. تدار 126 مستوطنة إسرائيلية من قبل مجلس يشع(17) (اختصار يهودا والسامرة وغزة)، وهو هيئة تمثل المجالس المحلية والإقليمية في المناطق المذكورة، فيما ألحقت 25 مستوطنة بالمدن الإسرائيلية منها 16 مستوطنة في القدس. وبلغ عدد “البؤر” الاستيطانية أكثر من 300 بؤرة منها أكثر من 65 بؤرة أقيمت بعد عام 2010(18)، وهي مشاريع استيطانية ناشئة غالبًا ما تتوسع وتتحول إلى مستوطنات مستقلة، أو تصبح أحياء تابعة لمستوطنات قائمة. وبحلول عام 2021، بلغ مجموع المساحات المصادَرة لصالح المستوطنات 40% من مساحة الضفة الغربية (انظر الجدول رقم 2). كما أسهمت شبكات الطرق الالتفافية التي أقامتها إسرائيل لخدمة المستوطنات بطول 980 كم، إلى اختراق المناطق الفلسطينية وتقطيع أوصال التجمعات الريفية في الضفة الغربية، وصادرت ما يقارب 195 ألف دونم في الضفة الغربية(19)، وأقامت إسرائيل 63 معسكرًا وقاعدة عسكرية و87 حاجزًا ثابتًا في الضفة الغربية(20).

الجدول (2): مشاريع الاحتلال الاستيطانية في الضفة الغربية(21)

المحافظةطول الجدار  حتى عام 2017/كممساحة الأراضي المعزولة  خلف الجدار حتى عام 2017/ كم2 عدد المستوطنات حتى عام 2020عدد المستوطنين حتى عام 2020
قلقيلية93.925.3840400
رام الله والبيرة79.485.926139400
القدس143.487.726332300
الخليل113.312.82021500
بيت لحم59.97.61392200
طولكرم44.317.834400
جنين69.434.953600
نابلس961321200
سلفيت91.720.91347900
طوباس والأغوار الشمالية15.42.772500
أريحا والأغوار1.5177500
المجموع712.2295.6151712815

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق