المقالات

المقاومة بين الحق والإرادة(إدريس مقبول)

الحق إذا لم يجد إرادة تحميه وتنصره فإنه لا يصنع تاريخا، إنما يصنع التاريخ إرادة حية مستميتة ووعي متقد بواجب استرداد الحق وانتزاعه بالقوة من يد المغتصبين الذين يتحولون أمام صمت العالم إلى عناصر إيجابية وقوية، تعمل على تضليل العقول وتلبيس الأفكار.

المهمة العظمى للإرادة التي تقف وراء الحق أن تُعري أكوام الزيف الذي يُغطي جوهر الحقيقة، وأن تكشف من جديد ما توارى من لمعان الحق بفعل الصمت غير البريء والمُحبِط.

وطالما أن المقاومة واعية بأهمية الإرادة في صناعة التاريخ، وواعية بأن الإكراه لا يلغيه إلا الإكراه كما يقول هيجل في أصول فلسفة الحق، فإن  الحرية التي تتشوف إليها المجتمعات حتى تكون جديرة بالاحترام وجديرة بالعيش في مستوى تتحقق فيه إنسانية الإنسان وكرامته، تكون مقدمة ضرورية لكل المطالب التي لا مساومة عليها.

  إن تاريخ المقاومة هو تاريخ إعادة بناء للحرية بيد الإرادة التي تتعالى على شروط الهزيمة والاستسلام، وهو في الوقت ذاته ليس سوى تاريخ من مقاومة مشاعر اليأس والتيئيس التي تفعل فعلها بقدر تجذر ثقافة المصالح والغنائم.

  إن الخبرة لا يمكنها أن تكون عقبة في ذاتها، إنها تأتي إذا كانت لدى المقاومة إرادة، وليست الخبرة والإبداع الذي تتفاضل في مضمارها المجتمعات سوى ثمرة اقتران إرادة التحرر بإرادة التفوق، حين يكون التفوق نتيجة طبيعية لما يملأ به الإيمان الحقيقي قنوات التاريخ ويملأ اليقين نفوس بشر لا يقبلون بالتبعية والإلحاق.

في تاريخ المقاومة يرتفع حس التوقع  وحدس المستقبل بارتفاع منسوب الخبرة والمثابرة في مواجهة التحديات ومواجهة حالات الإخفاق التي تستحيل إلى فرص للتعلم المستمر تزيد من التقدم في اتجاه التمكن من صناعة الغد.

الإرادة هي من يصنع الملحمة الإنسانية بآلامها العظيمة وإنجازاتها التاريخية الفريدة، وقيمة الإرادة تكمن في أنها تخرج الكائن من سكون الاستسلام إلى هرج المقاومة؛ ومن جحور الانتهازية إلى فساحة الإنسانية الحقة،.. تُخرج الكائن ليمارس دوره الفعال في عالم الخير مواجها قوى التعديم الرمزي والمادي، قوى الشر والتحريف والتضليل، فالإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا كان مقاوما.

   وإذا جاز أن للتاريخ نهاية، وجاز أن هناك من يُنَظِّر لنهاية التاريخ كما يحلو له، فإن نهاية التاريخ يحددها في الواقع من يصنع التاريخ بإرادته، ومن يصنع التاريخ غير إرادة المقاومة!..

عند التأمل السطحي العابر تظهر المقاومة كما لو كانت إرادة محضة للموت، إرادة للعدم والانتحار في زمن التطبيع والسلام الزائف، لكنها في الجوهر وفي العمق تتجلى إرادة للحياة بشروط الحياة العالية،.. المقاومة في سياق الوجود الذي يحمل دلالة “الواجب” ومعنى “الالتزام” ليست مجرد حرص على حياة أي حياة، وإنما إرادة لحياة قوية مختارة مسؤولة تنتصر للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق