المقالات

التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية -(محمد الشرقاوي)_ج 3_

تعقُّب المعطيات العلمية

في عصر الإنترنت السريع ووسائل التواصل الاجتماعي، استهلك الرأي العام فيضًا متدفِّقًا من المعلومات الخاطئة أو المضلِّلة بشأن حقيقة انتشار فيروس كورونا وتشبَّع بمشاعر الخوف والقلق العميق. كانت هناك مزاعم حول وجود “مختبرات سرية” و “مؤامرات حكومية” و”تلاعب” ضمني بالفيروس ضمن المنافسة الجيوستراتيجة والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وربما حتى مؤامرة معادية لإيران. وبحلول 16 مارس/آذار، تجاوز عدد القتلى في إيران 850 شخصًا، بمن فيهم آية الله هاشم بهتاي غولبايغني، عضو مجلس الخبراء المكلف بتعيين المرشد الأعلى للجمهورية، بعدما أظهر اختبار حالته أنه مصاب بالفيروس الجديد وتم إدخاله المستشفى.

ساعدت حالة الذعر العام في الترويج لمعلومات مثيرة للقلق. ويشير صامويل سكاربينو (Samuel Scarpino)، أستاذ إدارة الأعمال وعلوم الشبكات في كلية العلوم بجامعة نورث إيسترن، إلى أن “العلاقة بين العدوى الاجتماعية والعدوى البيولوجية الحقيقية هي سمة من سمات التفشي الحديث بسبب تردُّد المعلومات الخاطئة والأخبار المزيفة”. وحتى الآن، يتم تداول سرديتيْن رائجتيْن في أرجاء العالم: الصين “صنعت” الفيروس، والولايات المتحدة “بدأت” تفشي المرض عمدًا. وقال فيليب ريكر، المسؤول الكبير بوزارة الخارجية في واشنطن: “إن المسؤولين الروس الخبثاء يحاولون بث معلومات مضلِّلة عن أصل فيروس كورونا”.

يمكن تصنيف الفهم العام للفيروس الجديد حاليًّا إلى خطابيْن رئيسييْن: أحدهما علمي والآخر تأويلي يفسِّر بعض الحوادث. نبدأ بالخطاب العلمي؛ إذ وضعت دراسة حديثة لعلم البيئة أجراها فريق خبراء في بورنيو الماليزية وبعض المناطق في الصين سبب تفشي الفيروس تحت أضواء جديدة. فقد خلص علماء يعملون مع منظمة إيكوهيلث ألاينس (EcoHealth Alliance)، وهي مجموعة بحثية غير ربحية، إلى أن الوباء كان نتيجة “آثار غير مباشرة”، لحالات انتقال فيروس حيواني إلى الإنسان. فقد جمع كيفين أوليفال (Kevin Olival)، عالم أمراض البيئة، وزملاؤه عينات من آلاف الخفافيش في الصين. وأوضح قائلاً “وجدنا دليلًا من جميع العينات التي أجريناها في الصين إجمالًا على حوالي 400 سلالة جديدة من فيروسات كورونا”(11). والمعروف أن الخفافيش تحمل بعض الفيروسات الخطرة خاصة التي لديها القدرة على الانتشار عالميًّا(12). واكتشف الباحثون أن بعض فيروسات كورونا متقاربة جدًّا جينيًّا من فيروس السارس (SARS).

خبيرة أخرى في فريق الاستطلاع الميداني هونغييغ لي (Hongying Li) تقول إنها تعقبت كيف أصبح بعض الأفراد في وضع جعلهم يلمسون لعاب الخفافيش أو بولهم أو برازهم دون قصد. وتوضح أن الخفافيش يعيشون في بعض المنازل مع البشر في بعض المناطق. وأفاد بعض السكان المحللين بأن “خفاشًا استقر في منزلهم، أو أنهم قتلوه، أو أنه يقتات على الثمار في الفناء الخلفي لمنزلهم”(13). وقارن الباحثون في معهد ووهان للفيروسات، وأيضًا في مستشفى ووهان جينينتان في الصين الذين تعاونوا مع منظمة إيكوهيلث ألاينس، عينات الخفافيش التي تمَّ جمعها، وتوصلوا إلى تقارب جيني للغاية. كما أصدروا دراسة تفصيلية تُظهر أن التركيب الجيني لفيروس كورونا الجديد يتشابه بنسبة “96 في المئة مع تكوين الفيروس الموجود في الخفافيش”(14).

على الرغم من تلويح الصين باحتواء الفيروس في مدينة ووهان، لم يتوصل العالم بعد إلى تركيب علاج واضح المعالم لمكافحة الفيروس بينما يتسابق العلماء لتركيب لقاح فعال. ودعت السلطات الصينية المصابين من سكانها إلى استخدام بعض العلاجات التقليدية. ويتم إعطاء المريض كيسًا من الحساء البني، وهو علاج صيني تقليدي يجتمع فيه أكثر من 20 عشبًا، بما فيه الإيفيدرا وأغصان القرفة وجذر عرق السوس، إلى جانب الأدوية المضادة للفيروسات المتداولة، وفقًا لوزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية. وإزاء هذه الإجراءات الصينية، نشر فريق خبراء، في كلية إمبريال كوليدج (Imperial College) في لندن، وثيقة جديدة حذروا فيها من أن التهديد الراهن للصحة العامة هو “الأكثر خطورة” مقارنة مع فيروس الإنفلونزا الإسبانية الذي تفشَّى عام 1918. وأوصوا الحكومة البريطانية بتبني استراتيجية “قمع الوباء” لفترة قد تكون 18 شهرًا أو أكثر، بدلًا من استراتيجية “التخفيف” من انتشاره. وتبيَّن من الدراسة أن احتمال انتشار الفيروس قد يتجاوز استراتيجية التخفيف بما لا يقل عن ثمانية أضعاف فوق قدرات الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا، ويمكن أن يودي بحياة حوالى 250.000 شخص”(15).

في الولايات المتحدة، يؤكد المركز القومي لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن فيروس كورونا “مجموعة كبيرة من الفيروسات الشائعة في البشر وعدة أصناف مختلفة من الحيوانات بما فيها الجمال والأبقار والقطط والخفافيش. ونادرًا ما يمكن لفيروسات كورونا الحيوانية أن تصيب البشر ثم تنتشر بين الأشخاص مثل فيروس MERS-CoV وSARS-CoV والآن مع هذا الفيروس الجديد المسمى “SARS-CoV-2″. ويمثل السارس وCoV-2 فيروسًا مستنبطًا من أربعة فيروسات في الأصل على غرارMERS-CoV وSARS-CoV. يعود منبت جميع هذه الفيروسات الثلاثة إلى الخفافيش”(16). وخلص المركز أيضًا إلى أن “هذا هو أول جائحة معروف أنها ناجمة عن ظهور فيروس كورونا جديد. في القرن الماضي، انتشرت أربعة أوبئة نتجت عن ظهور فيروسات جديدة للإنفلونزا”(17).

ويفسِّر الدكتور ويليام شافنر (William Schaffner)،  الأستاذ في كلية الطب بجامعة فاندربيلت ومستشار مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، كيف تمَّ ترسيخ انتشار فيروس كورونا بسبب عاملين رئيسيين: “الانتقال دون أعراض وانتقال الأعراض الخفيفة”، ويعتبرها “محركات الانتشار في المجتمع”(18). وصنف علماء آخرون فتك الفيروس الجديد بنسبة 2 في المائة مقارنة مع 10 في المائة بالنسبة لوباء السارس. غير أن المؤرخ العسكري ومحلِّل الشؤون العالمية جوزيف مياكليف (Joseph V. Micallef) يقول إنه “مثل فيروسات كورونا الأخرى وباء حيواني: مرض مُعْدٍ تسببه الجراثيم والطفيليات التي تنتشر من الحيوانات غير البشرية (الفقاريات عادة) إلى البشر. ويكون العديد من المصابين في البداية إما يعملون أو يتردَّدون على سوق ووهان لبيع المأكولات البحرية بالجملة”(19).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق