المقالات

مكانة الرســول صلى الله عليه وسلم فــي الأدب الكوردي(1)… (د. عماد ستار الكواني)

-1-
الكورد والإســلام

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وأصحابه اجمعين، اما بعد:

 فجّر الإسلام في المجتمع الإنساني عيون الطاقات والقدرات المكبوتة والمضطهدة، فحوّل الحياة من النقمة إلى الرحمة، وحوّل اللصوص وقطاّع الطرق إلى أساتذة الأخلاق والإنسانية، وغيّر التفكير البشري من السلبية إلى الإيجابية، ومن الانتقام إلى الالتحام، ووجّه وجهة الأدب الإنساني من الخلاعة والظلم والمجون إلى أدب هادف وبنّاء . بدأت الانسانية مرحلة جديدة مع الإسلام، انتقلت من المراهقة إلى الرشد، ومن العاطفة إلى العقل، ومن تفكير منطق القوة الى قوة المنطق، بذلك شغلت الإنسانية  قواها الضائعة والمعطلة لفهم ذاتها،  وفهم عالمها الآنيّ والسرمدي.

  قبل مجيء الإسلام كان القانون السائد بين الناس هو قانون الغاب، الذي من أبرز مبادئه القوي يأكل الضعيف، فمن لم يكن له قوة يجب عليه إما أن يلتجأ بقويّ، أو أن ينتظر مصيراً مجهولاً.  ولكن المشهد تغير مع طلوع نور الإسلام، تنفس الوجود سعداء، وعثر على أرقام تردد وجوده.

   فالمستضعفون الذين لم يسمع أحد صوتهم وجدوا ضالتهم في هذه الدعوة المباركة ، وشاركوا في مسيرة الحضارة الإنسانية، وقدّموا نماذج تفتخر بها الإنسانية إلى قيام الساعة.

 فالأكراد على سبيل المثال كانوا في هامش التاريخ، ولما دخلوا في الإسلام صاروا سادة وقادة، فالإسلام إذا كان للناس رحمة كان للكرد رحمة ونعمة وتعريفا للوجود ومدخلاً للحصول على هوية مغتصبة منذ آلاف السنين.

  لم يكن للكرد قبل الإسلام منصة يعرّف من خلالها نفسه وقواه الحضاري والإنساني، حتى صار الإسلام مأذنة أذّن فيه الأدباء و العلماء والكتاب، فقدم الشعب الكردي للتاريخ الإنساني أمثال: “صلاح الدين” و”ابن تيمية” و”ابن الجزري” و”ابن الأثير” و”ابن خلكان” و”ابن المستوفي” و”الشهرزورى” و”ابن الحاجب” و”البوطي” والشوقي” و”الدينوري” و”الآمدي” و”الزركلي” و”المولوي” و”المدرس” و”القرداغي” وغيرهم من العلماء والبلغاء وقادة.

  إن التغير الذي أحدثه الإسلام في قلوب الأكراد يستحق التأمل والتدبر، حيث أضاف إلى قاموس الثقافة الكردية آلاف الكلمات والمصطلحات، وحولّ القرى النائية إلى مراكز علمية مغمورة تنافس المدن العلمية والبلدات المتحضرة تخرج فيها آلاف العلماء والأدباء والكتاب، وسجلوا بأيديهم سجل حاضرهم ، فصار مصدراً لمن بعدهم ودوّنُوا تاريخ آبائهم.

  ومن الجوانب المهمة التي أثر الإسلام فيها إيجاباً في المجتمع الكوردي جانب الأدب، حيث كتب الأدباء لجمال الطبيعة والإنسان وخفاياهما المتعددة أبيات شعرية رائعة، وعبروا بأسلوب أدبي رفيع عن معتقداتهم ورؤيتهم للكون والحياة وما بعدها، برؤية منبثقة من فلسفة الإسلام للحياة وما بعدها.

   فالأدب الكوردي بهذه الفلسفة وبهذه الرؤية الواضحة للكون والحياة وبهذا الجمال التصويري لمشاعره ووجدانه في  الشكل والمعنى جزء من عطايا الإسلام لهذا الشعب العريق، بحيث لو حذف ما قدّمه الإسلام للأدب الكردي لا يبقى شيء يذكر مما يفتخر به، ومن ألمع تلك الصفحات من صفحات الأدب الكردي وجود مساحات واسعة للتعبير فيه عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم  فكيف لا؟  ورسول الله  صلى الله عليه وسلم  الدليل الموصل إلى الكريم المنان، وهو الذي قال لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى. ويقال: الناس سواسية  كأسنان المشط. 

هذا إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمنّي ومن الشيطان، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.

المبحث الأول: الكورد والإســلام

ويحتوي على ثــلاثة مطالب:

المطلب الأول: نبذة عن تاريخ الكورد

المطلب الثاني: إضاءات في الأدب الكوردي

المطلب الثالث: تأثـير الإسلام علـى الأدب الكوردي

المطلب الأول: نبذة عن تاريــخ الكورد

إنّ تاريخ الكورد يكتنفه كثير من الغموض والضبابية، و ذلك له أسباب عدّة، من أهمّها عدم وجود كيان سياسي  يهتم بكتابة التاريخ وتوثيق الأحداث، وما نقرأه الآن من كتب التاريخ حول الكورد ما هو إلا جزء ضئيل مما ينقله الآباء إلى الأحفاد، ومن المعلوم أن نقل الخبر شفهاً معرض للتغيير والتبديل إلا ما رحم ربي إنه على كل شيء قدير، وتسبب ذلك إلى فقدان كثير من الحقائق التاريخية والاستفادة من نقاط الضعف والقوة .

وعبر عن هذا الخلل في التاريخ الكوردي الشاعر الكوردي المرموق “الحاج قادر الكويي” قبل مئة سنة تقريباً، بقوله:

وره بابوت بكه م باسی نیهانی

تفنون خوشه طةر ضاكی بزانی

صلاح الدین و نورالدینی كوردی

عزیزانی جزیرو موش و وانی

مهلهل اردشیر و دةیسمی شیر

قوباد و بازو میری أردلانی

ئه مانه ثاكیان كوردن نهايةت

له به ر بــآ دفته ری ون بوون و فانی

كتیب و دفته رو تاریخ و كاغه ز

به كوردی طةر بنوسرابا زمانی

مه لا و میر و شیخ و ثادشامان

هه تا مه حشه ر ده ما ناو نیشانی([1])

یعبر “الحاج قادر” في هذه الأبيات الشعرية عن أسفه لفقدان تاریخ كثیر من الشخصیات العامة المؤثرة من أبناء جلدته وذكر في هذا المقطع الشعري بعض تلك الشخصيات ثم يقول: لو أن التاريخ كتب بلغة كوردية لبقى ذكر أسمائهم إلى يوم القيامة.

فعدم كتابة التاريخ الكوردي في المرحلة المبك25

لقد اختلف المؤرخون حول أصل الكورد إلى ثلاث اتجاهات مختلفة:

الاتجاه الأول: يرى أن الأكراد يرجع أصلهم إلى زمن سليمان النبي u  وأنهم من أولاد الجن من نسل أولئك الذين وقع عليهم الجن واستكردهم سليمان u([2]) وهذا الرأي واضح البطلان ومخالف للعقل والنقل، أماً عقلاً: لأن الإنسان كائن مستقل ومغاير لباقي المخلوقات له كيانه الخاص من حيث الخلقة ولا يمكن التزاوج بين الإنسان ومخلوقات أخرى ومع الجن على الخصوص؛ لأنهم خلقوا من النار ولهم كيانهم الخاص من حيث الخلقة مغايرون للبشر تماماً.

أما نقلاً: لم يرد نص بوقوع التزاوج بين الإنسان والجن. إضافة إلى ذلك وجود أثر وروايات تاريخية تثبت وجود الكورد قبل زمن سيدنا سليمان ــ عليه السلام ــ روي عن عبد الله بن عمر في مسألة حرق خليل الله إبراهيم ــ عليه السلام ــ قوله: أشار بتحريقه رجل من أعراب فارس، قيل له: وللفرس أعراب؟ قال: نعم، الأكراد هم أعرابهم. قيل: كان اسمه هيزن فخسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.([3])

الاتجاه الثاني: يرى أن أصل الكورد يرجع إلي الفرس، من نسل أولئك الذين فروا من جور الملك الأسطوري المشهور بضحاك. ويقول المقريزي في ذلك:فذكر العجم أنّ الأكراد فضل طعم الملك بيوراسف، وذلك أنه كان يأمر أن يذبح له كلّ يوم إنسانان ويتخذ طعامه من لحومهما، وكان له وزير يسمى أرماييل، وكان يذبح واحدا ويستحيي واحدا ويبعث به إلى جبال فارس، فتوالدوا في الجبال وكثروا.([4])

ولا شك أن هذا التوجه توجه غير منطقي ومبني على الخرافات والأساطير لأنه لا يوجد في تاريخ الإنسان أن يكون من بني جلدته من ينبت على كتفيه حيات وأفاعي. وهذه القصة  مخالفة للسنن الكونية.

الاتجاه الثالث: يرى أن أصل الكورد يرجع إلى العرب، ويقول المسعودي في ذلك: فمنهم من رأى أنهم من ربيعه بن نزار بن معد بن عدنان، انفردوا في قديم الزمان، وانضافوا إلى الجبال والأودية، دعتهم إلى ذلك الأنفة، وجاوروا من هنالك من الامم الساكنة المدن والعمائر من الأعاجم والفرس، فحالوا عن لسانهم، وصارت لغتهم أعجمية، ولكلِ نوع من الأكراد لغة لهم بالكردية، ومن الناس من رأى أنهم من مضر بن نزار، وأنهم من ولد كرد بن صعصعة بن هوازن، وأنهم انفردُوا في قديم الزمان لوقائع ودماء كانت بينهم وبين غسان، ومنهم من رأى أنهم من ربيعه ومضر، وقد اعتصموا في الجبال طلباً للمياه والمرادى فحالوا عن اللغة العربية لما جاورهم من الأمم.([5])

ولابن فضل الله العمري رأي مغاير لما ذهب إليه غيره في كتابه مسالك الأبصار بقوله: أن الأكراد، وإن دخل في نوعهم كل جنس فإنهم جنس خاص من نوع عام وهم ما قارب العراق وبلاد  العرب دون من توغل في بلاد العجم، ومنهم طوائف بالشام واليمن، ومنهم فرق مفترقة في الأقطار، وحول العراق وديار العرب جمهرتهم.([6]) وهذا الرأي أكثر واقعية وأكثر وأقرب من روح الحقيقة.

“والنظريات الراجحة حتى الآن، والتي يتفق عليها غالبية العلماء والباحثين عن أصل الكورد، هي أنه منذ أقدم العصور كانت تقطن منطقة جبال زاكروس أقوام  وعشائر مختلفة. ولقد ابتدأ غزو تلك المنطقة منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد، من قبل الأقوام _ الهندو _ الأوروبية، وعلى الأخص منهم الشعوب الإيرانية ، وبعضهم من الأقوام السامية وغيرهم. واستقرت هذه الأقوام في هذه المنطقة. وخلال عصور عديدة . ونتيجة اختلاط طويل الأمد بين الأقوام الغازية، وسكان هذه المنطقة الأصليين تمكنت هذه الموجات الغازية من الأقوام  الهندو _ الأوروبية، سيما الإيرانية منها أن تنصهر كلياً مع السكان الأصليين في هذه المنطقة. ونتيجة لهذه العملية الطويلة الأمد تكوّن الشعب الكوردي الذي ساد فيه العنصر الهندو _ الأوروبي.([7]) 

اللغة الكردية:

اللغة الكردية لغة هندو–أورپية من المجموعة الإيرانية. واللغة الكردية ليست مأخوذة عن الفارسية كما يزعم، وإنما هي لغة مستقلة لها قوانينها الفونيتيكية  والسينيتكية الخاصة. وحروفها المستعملة حروف عربية   وهي من اللغات التي قاومت الاندثار بسبب الحروب والاحتلال وسياسات الدول التي حكمت بلاد الأكراد على مر التاريخ، مع دخول مصطلحات إليها ومفاهيم من قبل الغزاة  وهي لغة غنية جداً بلهجات عدة ساهمت في غناها بالمفردات والمصطلحات. ومن أهم لهجاتها:

الكرمانجية: ويتكلم بها حوالي (70%) من الأكراد، منتشرين في كردستان الشمالية والجنوبية الغربية وجزء كبير من كردستان الجنوبية وبعض المدن في كردستان الشرقية.

السورانية: ويتكلم بها حوالي (25%) من الأكراد (السليمانية وكركوك وكرماشان ومهآباد.
الزازائية: تنتشر في كردستان الشمالية في المناطق (سويرك

جغرافيا مناطق الكورد

يقع مسكن الكورد في بقعة جغرافية استراتيجية في قارة آسيا حيث تبدأ بلاد الكورد، من شواطئ(بحر الهرمز= الخليج العربي) الملاصقة للبحر الهندي = البحر المحيط بالهند ممتدة بخط مستقيم حتى ولايتي(ملاطية في ولاية خربوط) بكردستان الشمالية في توركيا، و (مرعش) في جنوبي (الأناضول) وفي الشمالي من هذا الخط ولاية (فارس) بجنوبي بلاد (إيران) ومركزها (شيراز) (إيران) و (عراق العجم)= بلاد الكورد) و(آذربيجان) شمالي (إيران) ومركزها مدينة (تبريز) والأرمينيتان الصغرى والكبرى، ويحدها جنوباً العراق العربي والموصل. أما عن تحديد الحدود القومية لكوردستان فهي كما أكده خبراء شؤونها، بأنها تقع بين خطي طول (3ْ0-4ْ0)شرقاً (3ْ7-5ْ1) غرباً، مساحة كوردستان.

تبلغ مساحة كوردستان الكبرى حوالي(500,000)كم، ويعيش عليها حوالي (40) مليون كوردي موزعين بين أربع دول هي:

في تركيا أكثر من (20,000000) مليوناً.

في إيران حوالي (13,000000) مليوناً.

في العراق أكثر من(6,000000)مليوناً.

في سوريا أكثر من (1,000000)مليوناً.

وهناك أعداد كبيرة من الكورد يعيشون في الاتحاد السوفييتي سابقاً ولبنان، و اذربيجان ، و أرمينيا، و وبلوشستان، والهند، وأفغانستان، وقسم آخر في أمريكا، وأوروبا، وأستراليا، وغيرها.([9])

الديانة والمعتقدات في المجتمع الكوردي:

يقول المؤرخون: إن الكورد قبل مجيئ الإسلام كانوا يدينون بالديانة الزرادشتية والنصرانية وبعضهم اليهودية، ومع مجيئ الإسلام  دخلوا  في دين الله أفواجاً، وكان لهم الحضور البدائي المتمثل بصحابة الرسول a “جابان الكوردي c “:  و روى عنه ابنه “ميمون الكوردي” بعض الأحاديث يصل عددها إلى عشرة، ويكنى (بأبي نصر) أو (أبو بصير الكردي)([10]).

وبعد ما فتح “عمر بن الخطاب c ” مناطق الأكراد من قبضة الفرس عام (14-18 ه) ورأوا تعامل الجيش الإسلامي العادل والإنساني، شاركوا مع المسلمين بقوة وإخلاص بكل ما لديهم من الوسائل، وقدموا للأمة العلماء والأدباء والمفكرين وكتاب ، يعتنق السواد الأعظم من الكورد دين الإسلام، وينتمون فقهياً إلى المذهب الشافعي، وإلى الأشعرية عقائدياً، وهناك قلة قليلة يتمذهبون بالمذهب الشيعي. وفي السنوات الأخيرة انتشر الفكر السلفي بين الشباب ولكن بنسبة قليلة.

ومن جانب آخر هناك من يتدين بالديانة اليهودية، والنصرانية،  واليزيدية، والكاكائية، ولكن بنسبة ضئيلة، وفي بعض الأحيان ينكر هؤلاء كورديتهم ويقولون بأنهم أقلية قومية وليسوا أقلية دينية.”الكوردي السني شخص عادي بسيط جداً وهو مثل جميع رجال القبائل متمسك جداً بالدين ويتصف بالأمانة والصدق والتواضع ويخشى الله ويعامل الناس معاملة جدية”.([11]) 

المطلب الثاني: إضاءات في الأدب الكوردي

يعدّ الأدب الكوردي من الآداب القديمة والأصيلة في المنطقة، ولم يبرز على الساحة الإقليمية فضلاً عن الساعة العالمية لأسباب عدّة، من أهمّها الحالة السياسية السائدة في المنطقة، فجوغرافية  المنطقة الكوردية فُرضت على أهلها حالة تجعلها محل الأطماع  لأنّها مسرح لتصفية الصراعات السياسية بين القوى الحاكمة في النظام العالمي آن ذاك، إضافة إلى ذلك غياب وجود اللغة الموحدة للأدب الكوردي، وعدم ترجمته إلى اللغات الحية وقت ذاك كان من الأسباب الرئيسية لفقدان الأدب الكوردي كثيرا من قوته وحيويته، لم تسمح القوى الحاكمة بظهور الأدب الكوردي وعملوا على محاصرته خوفاً لإحياء الشعور القومي لدى أبناءه مما سيؤدي إلى العصيان المدني والثورات والتمرد على السلطات الحاكمة، فالأدب الكوردبي بقي شامخاً شموخ جبال كوردستان وقاوم من أجل البقاء رغم كل التحديات والأعاصير العاتية التي ضربت المنطقة.

الأدب الكوردي قبل الإسلام:

ذكر بعض المؤرخين إلى أن الأدب الكوردي له جذور تاريخية وخلفية عريقة، لأن حسب آراء بعض المؤرخين أن دولة “الميديّين” يرجع أصلها إلى القبائل الكوردية، وما تركوه من الإرث يعد تراثا وتاريخا كورديا، ومن الذين مالوا إلى هذا الرأي الدكتور “عبدالله النقشبندي”([12])  في كتابه: “أمجاد الأكراد” حيث يقول: “ذكر بعض الكتاب والمؤرخون أن الشعب الميديّ عبارة عن عشائر كوردية، تقطن شرقي بلاد آشور حيث كانت حدود موطنها تمتدّ إلى جنوبي بحر “قزوين: فكان معظم هذا الشعب فصيلة من أمم “هندو ــ أوروبي” من جهة اللغة واللسان، وجنس “الآريين” من جهة العنصر والدم([13])

  ويرى المؤرخون بأن الدين الرسمي لدى الميديّين الديانة الزرادشتية، وكتابهم المقدس “آفيستا” وفيه بعض مقاطع أدبية ما يسمّى بــ “جاتـا”، يكرر يوميا معتقدو الديانة الزردشتية هذه الأدعية أمام معبد النار، بناءً على ذالك يرجعون أصول الأدب الكوردي إلى ذاك التاريخ([14])، ويرى الباحث: أنّ هذا فيه تكلف واضح، فليس للكورد قبل الإسلام أدب وصل إلينا يعتدّ به سوى بعض قصص و حكايات وأمثال شفهية.

أقسام الأدب الكوردي:

ينقسم الأدب الكوردي إلى قسمين رئيسيين:

 1 ـ الأدب الشفهي

2 ـ الأدب المكتوب

أما الأدب الشفهي:

    فللكورد أدب شفهي غني نقل الآباء إلى الأحفاد وحافظوا عليه رغم التغيرات السياسية والحروب والغزوات التي حدثت في مناطقهم، وحتى الآن نسمع من الأجداد بعض القصص والحكم والأمثال وغيرها من أقسام الآداب، من أحداث تاريخية وحوادث اجتماعية وقصص خيالية من القرون الغابرة.

  يعتبر “الأدب الشفهي للكورد غزيراً وغنياً جدّاً، شأن جميع الشعوب التي لم يسعفها الحظ أن تتطور فيها التعليم العلمي إلا قليلاً، وجدت الغزارة الفولكلورية أولاً في الأمثال أو الأقوال الشعبية المأثورة أو الأحجيات أو الألغاز، ومن الملاحظ أن الكورد بطبعهم يرغبون تجميل وتزيين محادثاتهم باعتماد السجع والجمل الإيقاعية التي يظهر فيها الإحساس الحقيقي بالملاحظة والترصد”([15]).

    ولاشك أن الأدب الشفهي يخالطه كثير من التغييرات و التبديلات حسب اختلاط القوم وآدابهم وثقافتهم بأمم أخرى، لذى نرى بعض القصص والحكايات الموجودة لدى أقوام أخرى موجودة أيضاً لدى الأدب الكوردي، مثل: قصة ( مجنون و ليلا) ما يسمّى بالكوردي: (ليل و مجروم)، و كقصة(شيرين و فرهاد) الموجودة عند الفرس والترك والآزريين، موجودة أيضاً لدى الكوردي، مع أنّ هذا النوع من القصص والملاحم ليس خاصّة بالأمة الكوردية إلاّ أنّه بمرور الزمان تحول إلى ملاحم كوردية، تتسم بسمات هذه الأمّة وتعبر عن أحاسيسها وعواطفها، وتحمّل صورا ذات طابع كوردي وإن كانت لاتزال تحتفظ بأصولها ولم تفقد خطوطها الرئيسية([16]).

  أما الأدب المكتوب:

  فلم يصل إلينا شيء يعتمد عليه، سوى ما أشرنا إليه بأنّ هناك بعض مقاطع أدبية من كتاب آفيستا بعدما فك شفراته اللغوية بعض المستشرقين، حيث يقولون بأنّ هناك بعض مقاطع أدبية فيه، ولكن كما أشرنا إليه يحتاج هذا الموضوع إلى تدقيق علمي لأنّ الخبر كما يقولون يحتمل الصدق والكذب لذاته، ولا يوجد حتى الآن دليل واضح نستدل به على أدب كوردي مكتوب قبل مجيء الإسلام.

مراحل تطور الأدب الكوردي:

 مرّ الأدب الكورد كغيره من أدب الأقوام الأخرى بمراحل متعددة .ويرى الباحثون بأن الأدب الكوردي له ثلاثة مراحل رئيسة.

1- الأدب الكلاسيكي: تبدء هذه المرحلة من بابا طاهير الهمذاني في القرن الخامس الهجري، وتمتد إلى نهاية الإمارة البابانية، ويتميز في هذه المرحلة سيما شعرها بخصوصيات شكلية ووصفية، وكان الشعر في هذه المرحلة يجرى على القواعد المتبعة في العروض من الشعر الإسلامي

2- الأدب الجديد: تبدأ هذه المرحلة من بداية القرن العشرين الميلادية وتمتد إلى الستينيات أو سبعينيات نفس القرن، ويتميز الشعر في هذه المرحلة ببعض التغيرات الوصفية والشكلية.

3- الأدب المعاصر : تبدأ هذه المرحلة من الستينيات أوسبعينيات القرن الماضي إلى الآن، ولهذه المرحلة مميزات من أهمّها تأثير الأدب الغربي و دخول المدارس الأدبية في الثقافة الكوردية.

وهناك آراء أخرى في تقسيم الأدب الكوردي، بعضهم يقسمونه على تغيير

المطلب الثالث: تأثـير الإسلام علـى الأدب الكوردي

بدأ الكورد مع الإسلام بفتح صفحة جديدة في تاريخهم السياسي والعقائدي والثقافي، ولعل تاريخ الكورد منذ بدايته الأولى مع الإسلام هو التاريخ الأكثر وضوحاً، والأشد إثارة في ماضيهم العريق، وهذا مايشير إليه “يحيى الخشاب” في مقدمة الطبعة العربية لـ (شرفنامة) إذ يقول: بـ”أن تاريخ الأكراد بدأ يتضح منذ فتح العرب بلاد الدولتين الفارسية والرومانية،    ([18]).

  فمع مجيء الإسلام وإشراقِ نوره على البشرية وانتشار خبره في المنطقة كان للكورد حضورٌ في عصر الرسالة وكان “جابان الكوردي” ضيفاً على مائدة الرسول a ، وروى عنه ابنه “ميمون” حوالي عشرة أحاديث في أمور مختلفة، وكان هذا اللقاء يعدّ لبنة أساسية لانتشار الإسلام في المناطق الكوردية، ويذكر بعض المؤرخين من الأسباب الداعمة لسقوط السلطة الفارسية إسلام بعضِ أبناء المنطقة وعملهم لصالح الجيش الإسلامي، فمعاملة الجيش الإسلامي مع أهالي المنطقة بالرحمة والشفقة والإنسانية من العوامل الرئيسية لدخول الكورد الإسلام، وذلك إنهم كانوا عانوا من ظلم الفرس والروم وسلطات المنطقة وأعوانهم، فمجيء الإسلام صار رحمة ومنقذا لهم ومحركا فاعلاً لإحياء الطاقات المعطلة.

   إن الإسلام إذا كان رحمةً للبشرية جمعاء كان للكورد رحمةً ونعمةً ودافعاً ومدخلاً وتعريفاً لهويّة مجهولة ومغتصبة منذ سنين، وصار الإسلام جزءا من الكورد  والكورد جزءاً لا يتجزّء عن الإسلام ،هذا ما للإسلام أثر إجابي في جميع مناح الحياة  في المجتمع الكوردي  وفي  الادب كان تأثيره أكثر. 

   فمع طلوع فجر الإسلام دخل الأدب الكوردي في مرحلة جديدة، بل نستطيع أن نقول ولادة جديدة، فلقد دخل الكورد في الإسلام دخولا عادياً بل دخلوا بحضور قويّ في مجالات عدّة، قدّموا للإسلام قادة وعلماء ومفكرين وأدباء، وهوما يدل على أنه لم يكن للكورد تاريخ أدبي مكتوب إلا بعد بزوغ فجر الإسلام.

    كان الإسلام بمثابة مائدة مليئة بأطعمة روحية وأدوات شعورية للتعبير عما في خاطر معتنقيه، فأبناء الكورد وجدوا ضالتهم، فأبدعوا ونحتوا مفاهيم ومصطلحات جديدة التي تنبثق من فلسفة الإسلام ورؤيته للحياة وللفرد والأسرة والكون وما بعد الحياة.

   ظهر في الكورد تحت ظل أفكار الإسلام وفلسفته وحضارته عشرات بل مئات من الأدباء والشعراء، عبروا بلغة شعرية عما خطر ببالهم.

  فالإيمان بالله ورسوله ودينه كان له حضورا قويا عند أدباء الكورد بحيث لا يوجد ديوان أو جهود أدبية من الشعر الكلاسيكي أو النثر الكوردي إلا وكان لمناجاة الله وتحميده مكانة عالية ولرسول الله a ايضا مكانة رفيعة تليق بمقام حضرته، فمحبة الرسولr واتّباع منهجه ومحبة صحابته وآل بيته من الوجوه المشرقة في الأدب الكوردي، ومن أجمل ما كتب في محبة الرسولr في قلوب أدباء الكورد ما قاله العلامة البيتوشي: ([19])

أنــا كــردي من أم وأب….. غـــذيــاني بلبـــــان الأدب

علماني حب قومي …. كما علَماني حب قوم العرب

فمحبة قومه الذي جاء فيهم وبلسانهم الرسولr صار جزأ من التربية الكوردية احتراما له. للإسلام تأثير فعال في الأدب الكوردي بحيث قلما تجد أديباً كوردياً لم يكن دارساً أو خريجاً من المدارس الأهلية التابعة للمساجد المشهورة ب(الحجرات) أو بتعبير آخر قلما تجد قرية من قرى كوردستان لم تكن فيها مدرسة أو حجرة “ومما يثير الانتباه، صغر هذه المراكز بالنسبة إلى جسامة ما احتضنته من نشاط ثقافي، وكثير منها لم يزد عدد بيوتاتها على عشرين أو ثلاثين بيتاً([20]). وفي هذه المدارس تخرج آلاف الأدباء والشعراء والمثقفين الذين لهم بصمة على سير الحركة الثقافية في المجتمع الكوردي، لذا المجتمع الكوردي بثقافته وأدبه وتراثه جزء أصيل من الحضارة الإسلامية

وفي المقال اللاحق نستأنف الحديث عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في الشعر الكردي.

والحمد لله رب العالمين


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق