المقالات

سوانح إحيائية: فتوى “المقاطعة”:(ميمون النكاز)

[ “المقاطعة” أسهل مطلوب جهادي، لكنها من أمضى “النكايات” في العدو، ليس وراءها من المروءة و الإيمان حبات خردل]

من منطلق فقهي فتوائي أقول:

لا يحل للمسلم -بعد العلم والاستيثاق- شراء المستهلكات الكمالية والتزيينية الفضولية ومرفهات النفس من المشتهيات التي تنتجها أو تبيعها الشركات والمؤسسات والجهات المختلفة التي تثبت موالاتها للكيان الصهيوني أو غيره من الخصوم الحربيين، ويُعْلًمَ دعمُها المالي وإسنادها الإعلامي لخصوم الأمة وأعدائها، يثبت هذا التحريم في جميع الأحوال، ولا استثناء فيه، ما دام أمرهم كذلك، لأن الأحكام دَوَّارة مع العلل، ونفيُ أن يكون في هذا الحكم استثناء حالي، والقضاء باطراده على المكلف في جميع الأحوال مستند إلى أصلين: “أصل وجوب الانكفاف والامتناع عن التعاون عن الإثم والعدوان”، و”أصل إمكان الامتثال”، لانتفاء الحرج على المكلف في تركها، لكونها من الكماليات، ولا حرج في ترك الكمالي في الأحوال العادية، فكيف لا يترك في مثل هذه الحال، بل كثير منها هو دون الكمالي كالمشروبات الغازية فضلا عن إضرارها بالصحة، فمن تهاون في تركها واتبع هوى عادته في شرائها فقد ارتكب محظورا شرعيا مستيقنا، وتقفى حراما لا تَرَدُّدَ لدى “الفقيهِ المُحْكِمِ” في تحريمه، بل فاعل ذلك في نظر الفقيه الغواص في علل الأحكام ومقاصدها له بعض الشِّرْكَةِ في قتل إخوانه والعون على سفك دماء المسلمين….

كل ذلك بشرطٍ وقَيد: شرطِ بلوغ العلم بحال هذه الشركات والمؤسسات والجهات الموالية للكيان الصهيوني الداعمة له، أو لغيره من الخصوم المحاربين، وقيدِ كونها من “الكماليات” أو “الزوائد الفضولية في الحياة والعيش”، بهذين، الشرطِ والقيد، يثبت في حق المكلف “التحريم اليقيني” و به يثبت “التأثيم اليقيني”، بل يثبت “التشريك في جرم سفك الدم الحرام”… وإذا ثبت ذلك وجبت مناصحة المبتلى بذلك دينا، ووجب تأديبه وتعزيره ومعاقبته قضاء، إذ ذلك -أي تأديبه وتعزيره ومعاقبته- من وظائف القضاء لا من وظائف الفتوى…

يصدق هذا الحكم على “الحاجيات” التي تدخل تحت قدرة المكلف على الترك والاستغناء دون تحرج لا يحتمل، وفي”الضروريات” تفصيل حكمي نجمل إفاداته في أصلين: الأصل الأول:

_وجوب تحقيق الكفاية في “الضروريات” للمسلمين من أنفسهم لأنفسهم، وهذا يلزم منه التعاون الإسلامي والتخطيط الاقتصادي لتحقيقه، فإذا افتقر المسلمون في بلد ما إلى “ضروري من الضروريات”، في مأكلهم أو مشربهم أو دوائهم أو أمنهم، أو غير ذلك من “الضروريات” وجب على كافة المسلمين التنادي والتداعي لكفايتهم، لا تبرأ ذمة مسلم -حاكما أو محكوما- من التبعة الشرعية ومن الإثم إلا عاجزا فاقدا للقدرة فيعذر لعجزه.

_ والأصل الثاني: وجوب الاقتصار في الشراء على شراء ما هو ضروري من هذه الشركات والمؤسسات والجهات المختلفة إن لم يوجد لهذا الضروري بدائل عند غيرهم، وذلك لما تقتضيه “أحكام الاضطرار”، وهي معلومة في الفقه وأصوله ومقاصده وقواعده…

ونحب التنبيه إلى أن “أفعال المقاطعة” ينبغي أن تستند من حيث القصدُ إلى أصل وجوب طاعة الشارع في حكمه، لا إلى الاستجابة لنداءات المقاطعة بلغة السياسة دون قصد الامتثال الشرعي، لأن المسألة متعلقة بحكم شرعي تنبني عليه “سياسة تدبيرة”، وليس “سياسة مجردة”، أو “مروءة أخلاقية مطلوبة”، وإن كانت هي في ذاتها محمودة مطلوبة بمعزل عن الحكم الشرعي.

وليعلم أن أفعال”المقاطعة” تندرج في إطار واجب “إعداد ما استطيع من القوة” لتحقيق مقاصد “إرهاب العدو”، الوارد تكليفا في قوله تعالى: {وَلَا یَحسَبَنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُم لَا یُعجِزُونَ، وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا ستَطَعتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الخَیلِ تُرهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِم لَا تَعلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعلَمُهُم وَمَا تُنفِقُوا مِن شَیء فِی سَبِیلِ اللَّهِ یُوَفَّ إِلَیكُم وَأَنتُم لَا تُظلَمُونَ﴾ [الأنفال ٥٩-٦٠]…

كما ينبغي أن يعلم أنها من المفردات التكليفية التطبيقية لجملة من القواعد الشرعية، مثل قاعدة(ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب)، ومثل مقابلها (ما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام)، ومثل قاعدة ( ماكان عونا على المطلوب فهو مطلوب، وكان عونا على المحظور فهو محظور)، فللوسيلة حكم الغاية منها، وعون العدو على المسلم بأي شكل من أشكال العون (“ظلم” و”خذلان” و”إسلام”)، وحديث النهي التحريمي عن ذلك معروف محفوظ مشهور…

هذا هو “القول الإفتائي العام” في شأن “مقاطعة” منتجات الكيان الصهيوني ومن يواليه ويدعمه، وبه وجب البلاغ…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق