المقالات

روح المونديال أم نفخ في روح هنتغتون(محمد الشرقاوي)

انقسم المتابعون لاحتفالية كأس العالم في ضيافة قطر، أول بلد خليجي وعربي وإسلامي يحظى بهذا الشرف، إلى أغلبية تشيد بمستوى التنظيم ومغزى القيم الانسانية التي اختزلها حفل الافتتاح، وأقلية استكثرت على هذا البلد الصغير وعلى العرب والمسلمين أن يكونوا في مستوى توقعات العالم.مع اقتراب انطلاق المونديال في الدوحة، قدّرت بعض الأوساط اليمينية أنها فرصة سانحة لتعزيز خطاب صدام الحضارات بفرضية أن ثقافات الغرب والشرق خطوط متوازية لا تلتقي أبدًا والتنمّر على بلد صغير في جغرافيته كبير في قدراته وطموحاته. فوصفت وزيرة الداخلية الألمانية المختصة أيضا بالشؤون الرياضية، نانسي فيزر عبارة “مثلية الجنس حرام لأنها اضطراب في العقل”، التي صرح بها خالد سلمان، وهو لاعب كرة قدم قطري دولي سابقا وأحد سفراء مونديال 2022، بأنها “فظيعة”، وقررت أن تركّب الغاية من زيارتها للدوحة حول خطاب حقوق الإنسان. وأضافت الوزيرة الألمانية أن حق استضافة قطر لكأس العالم خادع للغاية”، وأن “هناك معايير ينبغي الالتزام بها وسيكون من الأفضل عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول في إشارة إلى عدم استحقاق قطر لتنظيم كأس العالم لتقصيرها في ملف حقوق العمال لديها”.في باريس، عمدت الصحيفة الأسبوعية الفرنسية الساخرة Le Canard Enchaîné إلى توظيف صورة نمطية عن “العربي المتطرف” التي تعود إلى صناعة السينما في هوليود في السبعينات من القرن الماضي، فنشرت رسما كاريكاتيريا يمثل اللاعبين القطريين وهم يرخون لحاهم ويرتدون عمامات أو أقنعة، ويستلون سيوفاً وخناجر ومسدسات، وعلى وجوههم علامات الوحشية والغضب. هذه مرجعية خطاب متأصل في خيال الجماعات القومية واليمينيين منذ أيام كان فيها صموئيل هنتغتون في الثمانينات يحاول تركيب منظومة هندسية للصراع الذي تخيله بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي عقب الهجوم الإيراني على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979. هذه هي نواة مفهومه لصدام الحضارات وإن كان يغلفها بوجود سبع حضارات ونصف حضارة لدى الأفارقة:الحضارة الغربية، والحضارة اللاتينية، والحضارة اليابانية، والحضارة الصينية، والحضارة الهندية، والحضارة الإسلامية، والحضارة الأورتودوكسية…في إسرائيل، نشرت محررة قسم السياحة ميشال بن آري مينور في القناة 13 تقريرًا بعنوان “4 أسباب لعدم السفر إلى مونديال قطر”، هاجمت فيه استضافة الدولة الخليجية لكأس العالم بادعاء أنها “تنتهك حقوق الإنسان، وتضطهد المرأة والمثليين، وأنها حصلت على حقوق تنظيم كأس العالم عبر صفقات مشكوك فيها، وأنها تستخدم الرياضة والإعلام لتبييض صورتها، وأنها تدعم المنظمات الإرهابية مثل حماس والإخوان المسلمين”، وفق زعمها. واتهم بن دورو يميني، وهو أشهر كاتب في صحيفة يديعوت أحرنوت قطر جزافًا بأنها تنتمي إلى ما سمّاه “حور الكراهية” إلى جانب إيران، وأنها أصبحت دولة لامعة بسبب أغلى “حملة علاقات عامة في تاريخ البشرية”.على غرار لازمة الشعر، ثمة لازمة عدائية في تأجج القوميات المحافظة واليمينية وفي علم النفس الاجتماعي وسيكولوجيا توارث الصراع عند كل منعرج تاريخي:* بداية التسعينات بعد انحلال الاتحاد السوفييتي واعتقاد اليمين الأمريكي أنه أصبح القوى العظمى “الوحيدة” في العالم* بداية الألفية: هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتأجج معضلة الإرهاب والعنف السياسي* عام 2022: اندلاع الحرب في أوكرانيا والمواجهة غير المباشرة بين روسيا بوتين وحلف شمال الأطلسي، وتأجج القوميات الروسية والأوروبية والأمريكية.قد تكون لحظة سلبية عندما ينتعش اليمين بخطاب التعصب والتعالي. لكنها لحظة إيجابية لقطر وكل الخليجيين وكل العرب في كسب الرهان وتأكيد حقيقة أن الثقافة العربية متحضرة راقية وسامية في قيم التنوع والتعايش والتكامل. وقد أثار الحوار العميق بين الممثل مورغان فريمان والشاب القطري غانم المفتاح في حفل الافتتاح عدة تأملات عبر العالم ليس بشأن وجود شعوب متعددة على هذه الأرض فحسب، بل وأيضا

إنسانية الاعتراف والإنصاف بين الأشخاص العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة، ولن يكتمل وجود هؤلاء إلا بمراعاة سعادة أو شقاء أولئك.يقول عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم البلجيكي ميشيل دي هوغو في مقابلة مع صحيفة لوموند، “من قبل ومن بعد، ثمّة أبعاد استشراقية سوداء، تتعالى على العربي والمسلم، والذين يزاولونها منتفخون ومستفيدون وفاسدون هناك، وبتمويلٍ داعمٍ من أطرافٍ عربيةٍ ومسلمةٍ قصيرة النظر، ولذلك ستصير الحملات العدائية عارضةً وعابرةً، فور سماع صافرة ركلة البداية بعد عشرين يوماً في استاد البيت في قطر.”عندما ينغمس المرء في أجواء كأس العالم وهذا الفيض المتدفق لبني البشر من جغرافيات متباعدة ولغات متوازية، يتبدد زيف أطروحة هنتنغتون لأن القاعدة في الوجود البشري على هذه الأرض هو التعايش والتعارف. ولا يستطيع حفدته اليوم، أو بعد خمسين عاما، أن يثبتوا فرضية جدهم لأن المنطق ينبني على القاعدة وليس على الاستثناء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق