المقالات

المشكل مشكل صراع طبقي؟(مرزوق قيس الورياشي)

ما يزال الكثير من المغاربة سجيني هابيتوس* سياسي، بحيث أن الكثير من المفاهيم المتداولة ورثوها ولم يخضعوها للفحص والتدقيق ومطاوعة الزمن. وهكذا نسمع باستمرار تلفضات من قبيل “المشكل مشكل طبقي وليس صراع أجيال“.

انطلاقا من هذا التصور الجامد، فالشباب مسالة ثانوية: ليس هناك صراع بين الأجيال، إنما هناك فقط صراع طبقي!

الصراع بين الأجيال كان وسيبقى لسبب بسيط، وهو أن الشيوخ غالبا ما يتحولون إلى قوة محافظة تدفعهم إلى اعتبار أنه “ليس بالإمكان أحسن مما كان”، وأن منظومتهم القيمية هي التي ينبغي أن تسود لإنقاذ الشباب من الضياع والتهور… ونتيجة لذلك، فهم يدعمون، على العموم، الطبقات الحاكمة المستبدة بالحكم، نظرا لتلاقي المصالح الطبقية للحكام مع المصالح الجيلية للشيوخ.

قضية المرأة مسألة ثانوية: ليس هناك صراع بين الرجل والمرأة، فقط هناك صراع طبقي!

هذه الأطروحة تتناسى أن صراع المرأة ضد الرجل ليس صراعا في حد ذاته، أي بين المرأة والرجل، وإنما ضد عقلية وسلوك رجولي تعيق اندماج المرأة الإرادي في المنظومات القيمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية اعتمادا على مبدإ المساواة ضدا على التحقيرالتهميش الذي تعاني منهما. صراع المرأة ضد الرجل معناه صراع ضد إيديولوجيات ظلامية تقوم بمصادرة حق المرأة في كرامتها وفي حريتها وفي اندماجها الكامل في المجتمع. إن صراعا من هذا القبيل لا يلغيه “الصراع الطبقي” الذي يفرضه الرجال.

المسألة الأمازيغية: ليس هناك صراع لغوي، فقط هناك صراع طبقي!

لا يتعلق الأمر هنا بصراع لغوي (أو إثني أو عرقي)، فاللغات في حد ذاتها لا تتصارع فيما بينها، إنما الطبقات الاجتماعية السائدة هي التي تجعل من لغة ما لغة سلطة ولغة سيادة، وتعمل كل ما بوسعها على تهميش لغة أو لغات يتكلمها ناس بسطاء، إذ بتهميش لغتهم تقوم الطبقة الحاكمة بتهميشهم هم أنفسهم. إن المطالبة بالاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة عمومية تنبع من حق المتكلمين بها في حقهم في امتلاك الكلمة وفي امتلاك الرأسمال الرمزي وتداوله دون تمييز.

المستهلك: ليس هناك صراع بين المنتج والمستهلك، فقط هناك صراع طبقي!

بالرغم من وجود بعض بنود القانون التي تحمي المستهلك، فإن مجمل القوانين توضع أصلا لحماية المنتجين، أي المستثمرين الرأسماليين. هناك حاليا، على الصعيد العالمي، هجمة شرسة للرأسمالية على المستهلك: إشهار كاذب، تردي جودة المنتوج والخدمات، الغش، التلاعب في الأسعار…

في المغرب، نتيجة ضعف مراقبة الأسعار وجودة الخدمات، تقوم الكثير من الشركات بالتلاعب في منتوجاتها وخدماتها قصد استغلال المستهلك أبشع استغلال. كنموذج على ذلك الأبناك وشركات التأمين وشركات توزيع المحروقات وشركات توزيع الماء والكهرباء وشركات النقل والأسواق الكبرى…

إذا كان القرن التاسع عشر وجزء من القرن العشرين تميز بصراع طبقي حاد بين العمال وأرباب العمل، فإن الصراع انتقل الآن إلى صراع بين المنتجين والمستهلكين.

* الهابيتوس السياسي تعبير عن اجترار سلوكات وتصورات سياسية متوارثة يتم توظيفها دون فحصها والتأكد من مطابقتها للواقع الجديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق