المقالات

الاحتجاج في تاريخ الإسلام(محمد الصياد)_5_

فشلٌ مُدان
ومما يدخل في الأسباب السياسية للاحتجاج خروج الناس للتنديد بتهاون الدولة في ضبط الأمن وفشلها في توفير الاستقرار والأمان للناس، أو صد عدوان الغزاة لأرض الإسلام؛ فالإمام الذهبي يرسم لنا -في ‘العِبَر‘- صورة قاتمة للأوضاع الأمنية في العراق سنة 421هـ/1031م، وكيف واجه الناس -من كل الفرق المذهبية- تلك الأحوال المضطربة.

وفي ذلك يقول الذهبي: “وأما بغداد فكاد يستولي عليها الخراب، لضعف الهيبة وتتابع السنين الخداعة، فاجتمع الهاشميون.. بجامع المنصور ورفعوا المصاحف واستنفروا الناس، فاجتمع إليهم الفقهاء وخلق من الإمامية..، وضجُّوا” من شدة البلاء واستحكام الأزمة. ومن ذلك أيضا ما سيأتي بشأن اجتياح البيزنطيين لبلاد المسلمين في الشام والجزيرة الفراتية شمالي العراق.

وأحيانا يتظاهر الناس ويحتجون لأسباب دينية حين يرون ما يعتبرونه مَسًّا من ثوابتهم ومقدساتهم، ومن أقدم الأمثلة على ذلك ما ورد عند السيوطي -في ‘تاريخ الخلفاء‘- عن مسببات “ثورة الحَرَّة” سنة 63هـ/684م التي كان وقودها عامة الناس بقيادة جمْع من الصحابة -مهاجرين وأنصارا- بالمدينة المنورة على حكم الأمويين في عهد يزيد بن معاوية (ت 64هـ/685م)؛ فقال: “وكان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي”!

وما أن تبدّل نظام الحكم الأموي بوفاة الخليفة هشام بن عبد الملك (ت 125هـ/744م)، ونُصِّب مكانه وريث جديد هو ابن أخيه الوليد بن يزيد (ت 126هـ/745م) حتى أثار عليه احتجاجات الأمّة “لِمَا انتَهكَ من حرمات الله واستهتر بالدين”؛ حسب الإمام الذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘.

ويخبرنا الإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) -في ‘البداية والنهاية‘- أن الخليفة الجديد الوليد ما كان يردعه عن انتهاكاته تلك سوى الخوف من احتجاجات الناس.

ومن ذلك أنه همّ مرة بأن ينصب قبة “فوق سطح الكعبة ويجلس هو وأصحابه هنالك، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهي وغير ذلك من المنكرات، فلما وصل إلى مكة هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه.. خوفا من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك”!! على أنه لم يزل على انحرافه حتى أطيح به من السلطة في انقلاب قضى عليه!

ونلاقي نماذج من انخراط عامة الشعب في مساعي ردع من يخرجون على المستقر لدى أغلبيتها من تعاليم الدين ومسائل العقيدة؛ فنجد مثلا الحافظ ابن حجر يترجم -في ‘لسان الميزان‘- للقاضي شعْبَوَيْه بن سهل الرازي (ت 246هـ/860م)، فيقول إنه “ولّاه المعتصمُ (الخليفة العباسي ت 227هـ/842م) القضاءَ والصلاة بجامع الرصافة [ببغداد]..، وكان مبغضا لأهل السنة مُتَنِّقِّصاً لهم.. وكتب على باب مسجده: القرآنُ مخلوق!.. فأحرق العامة بابه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق