المقالات

كنّا فقراء ولم نكن نعلم ذلك!(عز العرب لحكيم بناني)

كانت هذه الإجابة التي تلقيتها عندما سألت مرّةً أستاذًا جامعيًّا ينتمي إلى جامعة هومبولد، برلين الشرقية، أي إلى دولة لم يعد لها وجود، بعد أن توحَّدت الألمانيتان. كان الأستاذ الألماني يتقبل وضعه البئيس، في معسكر شرقي يوزّع الفقر – في أفضل الحالات – على قدم المساواة بين الناس، بما أنَّ الناس لم يكونوا يعلمون شيئًا كثيرًا عن الأغنياء الحقيقيين في بلدان الاشتراكية الواقعيّة، ناهيك عن أنّ الطبقة السياسية لم تكن تتجرّأ على إظهار مظاهر البذخ أمام الشعب. كان باقي الناس يُعزُّون أنفسهم بالقول: “إذا عمّت هانت.” صحيح أنّه يوجد فرق بين أن تعلم أنّك فقير وألا تعلم ذلك؛ وحتّى ولو كنتَ فقيرا، يوجد فرق بين أن تعلم أنك تشترك في فقرك مع أغلبية الناس، في مقابل أن تحسَّ أن الفقر لم يصب إلا قلةً من الناس مثلك. لا أدري ما معنى الإحساس الشخصيُّ بالفقر في الحالتين المختلفتين؟ هناك إحساس متفاوت، حسب درجة انتشار الفقر واعتباره وضعًا طبيعيًّا وهل الفقر وضع قدر منزل، وأنا أتحدث هنا عن الفقر بمعنى افتقار الناس إلى الناس وليس عن افتقار الناس إلى الله. هنا يصبح الفقر وضعًا طبيعيًّا ومقبولا ومرغوبًا فيه، بينما لا نتقبل افتقار الناس إلى الناس بصورة حاطة بالكرامة.
ظهر تمثُّلٌ جديدٌ للفقر في الأجيال المغربيّة الجديدة؛ رغم أنَّ الكرامة البشريّة لا تتعارض في الشعور الدّيني إنَّ الناس فقراء إلى الله، أصبحت تتعارض مع القول المسكوك المغربي : “إنَّ الله خلق وفرّق”، أي أنّه فرَّق في الرزق. على خلاف حالة الأستاذ الألماني في ألمانيا الشرقية، أصبح الفقر في المغرب أكثر إيلامًا، بما أنَّه أصبح يجد مظاهر الغنى من حوله، فاكتشف تطوُّر سوق الأعمال والقطاع الخاص وظهرت مشاريع كبرى وإنجازات رياضيّة واقتصاديّة كبرى، لا أحد يشك في أهميتها . يجوز لنا أن نقول هنا، خلافًا لما وقع في دول المعسكر الشرقي: إنَّ المغرب يوزّع الغنى على على نحو متفاوت بين الناس، وبدأت مظاهر البذخ تظهر بوضوح، مع تنامي الفروق الاجتماعيّة. في هذه الحالة، يصعب على الناس أن يُعزُّوا أنفسهم بالقول: “إذا عمّت هانت.” بل يتساءلون: لماذا نعتبر الفقر قدرًا طبيعيًّا؟ لماذا لا نبحث عن أسبابه في البطالة والهشاشة الاجتماعيّة وانعدام المنافسة الشّريفة وعقم المنظومة التعليميّة؟ لا يعترض الناس على القول إنَّ الله خلق الناس وفرّق بينهم في الرزق؛ ولكنّهم يعترضون على غياب مبررات ومعايير واضحة تبرّر الفرق في الرزق. لا ينبغي تبرير الفرق في الرزق بحجج تتعارض مع أخلاق المنافسة الشريفة والتضامن الاجتماعي والمساواة الاعتباريّة وحريّة المواطنين. يعترض الناس على غياب معايير الشفافيّة والوضوح وعلى غياب رؤية واضحة للأولويّات. نحن جميعًا نسعى إلى تشجيع المشاريع المهيكلة وإلى تنمية المبادرات الفرديّة وإلى عدم تخريب بيوتنا بأيدينا. ولكنّنا نحتاج بصورة واضحة وشفافة وإلى توضيح المعايير الأخلاقية والحقوقيّة التي تبرّر التفاوت الاجتماعي. لا أفضل أن نوزع الفقر بالتّساوي، بل المطلوب هو أن نوزع خيرات البلاد (من خدمات ووظائف وطاقات عمل) بشكل شبه متساوٍ، في حوار اجتماعي منفتح ومتواصل لخدمة مصلحة الوطن والمواطن(ة). أصبحت القيم الأخلاقية والحقوقية تحرك الناس وتوجه سلوكهم بشأن تنمية البلاد ومحاربة البطالة والنهوض بالصحة، أكثر مما توجههم دوافع الحقد الاجتماعي والحسد والغيرة. تغير المجتمع المغربي وظهرت أجيال لم تعد تفسر الصراع الاجتماعي بالغيرة والحسد، بل شرعت في البحث عن تخليق الحياة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق