المقالات

من مقاصد الحجر المنزلي (محمد رفيع)

إن ما وضعنا فيه من حالة الحجر المنزلي احترازا وتوقيا من وباء كورونا المستجد الذي ابتلي به عالم اليوم، ينبغي ألا ينسينا في المقاصد الشرعية من هذه الوضعية، فحياة المؤمن كلها منتظمة في سلك مقاصد الشرع، فلزم استحضار مقاصد هذه الوضعية من أجل الاحتكام إليها في تصرفاتنا والاستهداء بها في أحوالنا، ونذكر منها:

            – التحقق بحالة التضرع

            وذلك اقتداء بأحسن من استجاب وتضرع من الأنبياء كآدم ونوح وأيوب ويونس ويعقوب عليهم السلام فكشف الله عنهم الضر ورفع البلاء، ف “لا يرد القضاء إلا الدعاء” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي بسند حسن، ولا يحصن من العذاب أفضل من الاستغفار، قال الله تعالى: ” وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون” ( الأنفال:33).

            فحالة التضرع تقتضي التحقق بالتوبة والإنابة ومراجعة النفس خشية أن تكون ذنوب كل واحد منا سببا من أسباب ما حل بالإنسانية من وباء، فالتوبة وقاية من العذاب، قال الله تعالى: ” وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن ياتيكم العذاب ثم لا تنصرون” ( الزمر: 51)، وأفضل زمن تتحقق فيه حالة التضرع الفردية والأسرية قيام الليل صلاة واستغفارا ودعاء في حالة من الانكسار والتذلل بين يدي الله تعالى، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بتفصيل فيما أخرجه أبو داود وابن ماجة، حيث قال: ” الصلاة مثنى مثنى، فتشهد في كل ركعتين وتبأس وتمسكن وتقنع بيديك وتقول: اللهم اغفر لي، فمن لم يفعل فهي خداج”.

            – الاجتماع على القرآن تلاوة وتدبرا ومدارسة

            فليس هناك أحلى ولا أغلى ولا أرقى من الاجتماع على مائدة كتابة الله تعالى تلاوة وتدبرا ومدارسة، فتتحقق بذلك القربى من المولى، وتعظم الفائدة، ويتنور البيت ويتحصن أهل البيت، وتتنزل الرحمات وتتوالى السكنات، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم عن أبي هريرة: ” ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، ويتَدَارسُونَه بيْنَهُم، إِلاَّ نَزَلتْ علَيهم السَّكِينَة، وغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُم الملائِكَةُ، وذَكَرهُمْ اللَّه فيِمنْ عِنده”.

            ففي القرآن كل الهدى، فمن نستمد الهدي المعرفي والهدي السلوكي والهدي التربوي والهدي العملي والهدي في كل مناحي الحياة، لأن الله تعالى قرر على نحو جازم ومؤكد وقاطع: ” إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم” ( الإسراء: 9).

  • جمع شمل الأسرة بعد التشتت

            اللازم شرعا وعقلا أن نتخذ الحجر المنزلي فرصة لإعادة التئام ما انفرط من شمل الأسرة طوال ما مر من زمن غير قصير انشغل فيه الكل عن الكل وضعفت الروابط بين أفراد الأسرة، وتولد عن ذلك التوتر وكثرة الخصومات، فآن الآوان أن نستثمر هذه الفرصة للتقارب بين أعضاء الأسرة ومراجعة الأحوال، والاستماع للجميع، والتعاون على خدمة البيت.

  • تعلم معاني الصبر وخدمة الأهل

            إن الحجر المنزلي يفرض المعاشرة اليومية في حيز مكاني محدود، مع تصرفات مختلفة لأفراد الأسرة، ومفارقة المألوف من الخروج وملاقاة الأصدقاء والأقرباء يورث تغيرا في الأمزجة وتوترا في العلاقة، وطيشا في التصرف وخصوصا من قبل الأطفال، وكل ذلك وغيره إنما يقابل من قبل الآباء خاصة بالصبر والتحمل، وقد يتكرر الإزعاج بين الفينة والأخرى من هذا الطرف أو ذلك، فنحمل ذلك على أنه اختبار لمدى تحملنا وصبرنا على أهلنا.

            والحجر المنزلي مناسبة ليتعاون الجميع على الخدمة والنظافة، فتسعد الزوجة بهذا التعاون، ويتنافس الأطفال في أداء كل واحد واجبه، ويزداد الجمع الأسري جمالا إذا استطاعت الأسرة أن تبرمج يوميات حجرها ولو في الحد الأدنى ضمانا لحسن السير.

  • الانتهاء عن المناهي الشرعية:

            من المقاصد التبعية والفوائد الجليلة التي ينبغي استحضارها دائما في الحجر المنزلي أن الله وقانا من السقوط في كثير من المناهي الشرعية التي اعتدنا قليلا أو كثيرا ارتكابها، ومنها غشيان مجالس الغيبة والفجور، والنظر إلى محارم الله، وأذية الناس بالقول أو بالفعل، وتبذير الزمن والمال، وغيرها كثير.

            فهذه بعض من المقاصد الحميدة لهذه اللحظة الزمنية التي اضطررنا فيها لأن نخلو بأنفسنا وأهلنا في بيتنا، نعمل على تحقيقها لنسعد بوقتنا ونستمتع بأهلنا، والحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق