المقالات

في مقاومة الكراهية:(عبد العزيز بومسهولي)

لا تنبعث الكراهية من البراءة المحضة، من الطبيعة بما هي طبيعة طابعة؛ غير أنها تنبع من الثقافة، أو من الطبيعة التطبيعية. أي من نمط وجود ثقافي ناشىء عن الصراع حول الأحقية في الوجود، وليس من أجل صراع طبيعي على الوجود، ككائنات موهوبة الوجود، كما هو الشأن بالنسبة للكائنات البشرية البدائية بما هي كائنات حيوانية وحسب، أو بالنسبة لبقية الكائنات الحيوانية الأخرى التي تتصارع من أجل محض البقاء لا غير، وبدون لماذا؟ لكنها لا تتصارع من أجل مجد مفترض كغاية في حد ذاته، وكوسيلة من أجل تطهير الوجود من كل آخر يختلف بنمط وجوده عن الذوات الأخرى، أي من أجل إثبات هوية ما، أو من أجل أحقية في وجود تنبع من الثقافة كنمط للاستعلاء على الوجود برمته، كوجه لأفضلية تحتكر الخير في ذاتها، ومن أجل ذاتها، من دون الكائنات الأخرى. وهذا معناه أن فعل الكراهية، ليس قط منسوبا لبراءة الوجود، فالأسد الذي يفترس الحيوانات الأخرى لا يفترسها لأنه يكرهها كرها، بل لأنه يشتهيها بالغريزة كوسيلة طبيعية للتغذية فقط، من حيث أن الغريزة هي شهوة غير واعية في إرضاء الحاجيات البيولوجية، وما دامت كذلك فهي غير الكراهية وغير العداء وغير التملك والاستحواد وهي غير العبودية.
إذن فالكراهية شأن ثقافي محض، ينتج في صلب المعارف والعادات والأخلاق وأنماط العيش التي ظهرت في الإنسان كسلوك عدمي يتوجه ضد كل آخر، لكونه يختلف فقط عن الذات في نمط العيش، من حيث هو شكل من أشكال التنوع الثقافي أو البشري الذي يتشكل كتعبير عن هوية هذه الكائنات أو تلك. لهذا فأنا عندما أكرهك، فأنا لا أرغب في أقل من أضطهاد وجودك، أو تملك حريتك، أو تعديمك. إما بدعوى الأحقية في الوجود حيث الأفضلية تتمثل في ذاتي، أو بدعوى أنك مدنس، يقتضي الأمر تطهيرك من الوجود.
لكن ما هو النقيض الجذري للكراهية؟
إنه ليس سوى المقاومة. والمقاومة ليست من قبيل كراهية الغير، كما هو شأن كل عداء مقيت ينتج عن صراع بين الثقافات، وكما هو شأن كل تطهير للغير ناشء عن نزعة الاستحواد والتملك اوالاستغلال الأعشى لمقدرات الطبيعة، ولكنها من قبيل إثبات الحق في الوجود. إنها ليست موجهة ضد الآخر، في ذاته، بقدر ما تتوجه ضد هذا الغير المفرط في كراهية كل ما هو آخر، يعتبره غير جدير لا بالجوار والتعايش فقط، بل غير جدير بالوجود.
وأخيرا يمكن القول بأن الكراهية هي مبعث كل جبن جذري، على النقيض من المقاومة، كونها نزعة انتقام عدمية جوفاء من البطولة، ولأنها تختار دوما ضحاياها من الأبرياء الذين لا حول ولا قوة، ولا ذنب اقترفوه سوى أنهم وجدوا أنفسهم عرضة لخذلان التاريخ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق