المقالات

في إشكالية تطور الدولة في المغرب: (محمد شقير)_8_

ثالثا : المقاربة الاقتصادية

   حـظـيـت إشـكـالـيـة الـدولـة فـي الـمـغـرب بـاهـتـمـام خاص من طرف الاقتصاديين المغاربة ، اهتماما فاق في بعض الأحيان، الاهتمام الذي حظيت به من طرف نظرائهم العاملين في مجال العلوم السياسية .

ويرجع هذا الاهتمام، في تقديرنا للعوامل التالية :

– الـظـرفـيـة الـداخلـيـة الذي، تميزت بعد لاستقلال، بالتدخل الكبير للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية و السياسية الوطنية .

– صراع الفعاليات السياسية. وهكذا ضمت الأحزاب المغربية ، وخاصة أحزاب المعارضة (1)، العديد من الأكاديميين و الأساتذة الجامعيين المتخصصين في فروع الاقتصاد.

– تأثـر الاقـتـصادييـن المغاربة بالمدرسة الماركسية وتفريعاتها الثالثية و التي كانت تركز على التقسيم  الـدولى  لـلـعمل و عمـلية الـتراكم الـرأسـمالي و التـبعية، أي الاهتمام بشكل عام بما  سمي بالدول الطرفية . (2)

ورغم التأثر الكبير بالمقولات الماركسية و الأفكار الاقتصادية التي كانت تتبناها هذه المدارس ، فقد تميز الاقتصاديون المغاربة بإدراكهم المبكر ، ليس فقط لأهمية دراسة الدولة المغربية ، بل أيضا لخصوصيتها التاريخية، و التي تتجسد من خلال قدمها و عراقتها السياسية و كذا من خلال دورها الكبير في التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية المغربية. مما حدا بالكثير منهم  للاهتمام برصد تطورها التاريخي و خاصة في منتصف القرن 19. (3)

وقد انصب اهتمام هذه الكتابات على دراسة هذا التطور من خلال رصد علاقة الدولة بمختلف الأنماط الاقتصادية التي عرفها المغرب. وهكذا نجد أن هناك اتجاها يربط الدولة بنمط إنتاج فيودالي و اتجاه آخر يقرن الدولة بنمط إنتاج رأسمالي .

–  1 الدولة و نمط الانتاج الفيودالي

ينطلق الباحث إدريس بن علي في أطروحته (مغرب ماقبل الرأسمالية) من أن المغرب قد  عرف نمط إنتاج فيودالي من نوع خاص ساعد على تبلور المخزن و تحديد وظيفته السياسية ، كما أدى أيضا إلى أزمته البنيوية .

أ – المخزن كتجسيد لتحالـف طبقي 

يؤكد بن عـلـي أنـه في إطار السـيـرورة الـتاريـخية الـتي عـرفـت انـهـيار الحكم المريني وصعود الأسرة السعدية و العلوية إلى الحكم تنظمت الطبقة الحاكمة من خلال خلقها جهازا للدولة . (1)

و تتجسد هذه الطبقة في كل أولئك الـذين يـمارسون السـلـطة أو يـستـطيـعون التأثير في الحكم مستفدين من المزايا و المكاسب المادية المترتبة عن ذلك . (2)

وتتشكل هذه الطبقة خاصة من الشرائح التالية :

– الفيودالية العقارية

– الأرستقراطية التجارية

– الفيودالية الدينية ( كالأشراف، شيوخ الطرق، العلماء)

أما وحدة هـذه الـطـبقة فتنعكس من خلال البيعة التي تعتبر بمثابة تكريس قانوني للتضامن بين الأسرة  الحاكمة و الطبقة السائدة، في حين أن المخزن يعتبر بمثابة إطار لنشاط مختلف هذه الشرائح . (3)

كما أن مايميز هـذه  الـشرائـح كـطـبـقـة حاكمة هو توارث المناصب السياسية. وهكذا يستشهد الباحث بأوبان الذي يرى أن نظام الوراثة هو روح الـنـظـام الـسـياسي المغربي. حيث نجد دائما أن كبار الملاك العقاريين هم الذين يعينون كقواد و شيوخ وأن عائلتين او ثلاث عائلات هي التي تمد المخزن في منطقة مابما يحتاجه من رجال للسلطة .

لـكـن رغـم اعـتـماد المخزن على هؤلاء الفيوداليين ؛ فإن ذلك لاينفي تـمتعه  بنوع من الاستقلالية . وهـذا مايـفسر في رأي بن علي الموقف المتناقض للمخزن ؛ فهو من جهة يعتمد على الفيوداليين في تحقيق هيمنته ،لكن في نفس الوقت يقوم باضعاف أو إقصاء أولئك الذين قد يشكلون خطرا عليه. فضعف المخزن يدفعه إلى التزام الحذر إزاء أي منافسين محتملين أو إلى الـقـضاء على بعض الفيوداليين الذين أصبحوا أقوياء أو العمل على خلق  خلافات بين الأقوياء منهم من أجل إضعافهم و التحكم فيهم . (1)

لذا، فإن المخزن،كممثل عن هذه الطبقة الحاكمة، يعكس طابع الخلاف المحتدم بين فئات هذه الطبقة و يعيش أيضا على هذه الخلافات. وهذا مايجعل العلاقة بين السلطة المركزية و القوى الجهوية في تغير دائم  . (2)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق