المقالات

شروط الاستئناف بقيم القرآن واستراتيجيته في السلم والحرب(أثر بيتي الشعر الأذري). أبو يعرب المرزوقي

غضب إيران من قراءة اردوغان لبيتين من الشعر الاذري دليل على فهم عميق لدلالتهما عنده.فأردوغان بدأ مسيرته بالشعر فجعل تركيا تستعيد ذاتها بداية لصيرورتها عظيمة كما كانت.واستأنف بالشعر ليجعلها تحقق شرط العظمة التي تضاهي ما كان عليه حجمها الذي فقدته ليس بسبب اسقاط الخلافة المباشر فحسب بل بالأسباب اللامباشرة وهي الأهم.فالأسباب المباشرة هي التي كانت ذروتها سقوط الخلافة غاية لمراحل قضم كيانها العضوي أو جغرافيتها.لكن الاسباب اللامباشرة هي التي جعلت ذلك يصبح ممكنا.والوعي بها هو الذي جعل الاستئناف يصبح ممكنا بعودة الوعي الذي أدرك العلة الرئيسية فشرع الآن في تحقيق استراتيجية وصل الجغرافي المقضوم بالتاريخ المهضوم.• فالقصيد الأول وعي بالتاريخي المهضوم.• والقصيد الثاني وعي بالجغرافي المقضوم.وبين الوعيين مرحلة أثبتت إمكان انجاز شروط إمكان الأول وثمرته (استعادة الذات وتاريخها وتعافي قوة الفعل والطموح) التي جعلت الشروع في تحقيق شروط الثاني وثمرته (توحيد كل الاتراك).فبعد أن أسهمت في تحرير نصف أذربيجان، انطلق القطار الذي سيحرر النصف الثاني.الأذريون سيتحررون بأنفسهم: وتلك هي علة ارتعاب ملالي إيران وتهديدهم لتركيا.لا يمكن لأي مسلم مؤمن بوحدة الأمة أن ينسى أن الصفوية تحالفت مع البرتغال ضد الخلافة-كما تحالفت مع الأرمن.في المرة الأولى كان لمنع الفتح الإسلامي في أوروبا بمساعدة حرب الاسترداد البرتغالية في الجزيرة العربية وما حولها. وكل مغربي -في الجزائر وتونس وليبيا-بخلاف أعداء الأمة من جميع شعوبها نعلم دور الخلافة ضد الاسترداد.والهدف في المرة الثانية الحالية هو منع الوصل الترابي بين الشعوب التركية التي تمثل عند اجتماعها مثل أوروبا ستكون قوة عظمى وهي تشغل ما يفصل بين الصين وروسيا فيمكن من استرداد قوة تركيا التي فقدتها بالقضم والهضم خلال انحطاط الخلافة.نحن المغاربة – بخلاف المشارقة – نفهم دور الخلافة العثمانية ولا نعاديها.• فلولا أسطول الخلافة لكان مصير الضفة الجنوبية من الأبيض المتوسط مثل الاندلس فحصل لها ما حصل لهنود أمريكا الحمر.• ولولا خيانة من أصابتهم لوثة القومية من نخب الأمة وحلف الصفوية والصهيونية ضد الخلافة لكان التاريخ المعاصر غير ما عرفنا من هزائم بزغ فجر الانتصارات وعدا من رب لا يخلف وعده.لكن الرعب الذي شعر به قيادات الصفوية ليس مقصورا ليست علته قراءة اردوغان لهذا القصيد بل هم يعلمون أن علته كامنة في تركيبة إيران العنصرية والطائفية والعرقية نفسها.فهم في حقدهم على العرب خاصة وعلى الإسلام السني عامة كانوا وبغير وعي يحفرون قبل دولتهم حفرا غائرا نتيجته التفتت حتما.فإذا كانوا قد حاولوا طمس وحدة الأذريين بالحلف مع السوفيات وجعل أرمينيا دولة لمنع التواصل الجغرافي بين أتراك تركيا وما احتلته روسيا ثم السوفيات وحتى الصين فالصفوية شيعت العرب والبلوش وغيرهما في ما وراء النهرين بالنار والحديد وجعلت اقلية فارسية تستبعد البقية رغم أن مؤسس الصفوية كان أذريا.الرعب إذن ليس مقصورا على ثلث شعبها من الأذريين لأن ثلثا آخر هو من البلوش والعرب ومن ثم فالفرس أقلية في هذه الدولة التي أرادت أن تحتل العراق وسوريا ولبنان واليمن وتعمل كل ما تستطيع لتشييع الكويت وبقية دول الخليج بتقية تخفي الخطة كما فعلت في العراق حيث تبين أنهم اغلبية كانت متخفية.ما يرعبهم هو فشل التشييع لأن بقية الشعوب التي تسيطر عليهم إيران التي تريد تفريسهم لأنه تبين أنه ليس تحقيقا للأخوة الدينية بل أداة تفريس واستعباد بمنطق عنصري هو الذي سيفتت إيران أو يحولها إلى دكتاتورية مطلقة من جنس كوريا الشمالية والصين لا تقوم إلى بالقهر والعنف المطلقين.لذلك فينبغي أن يفهم الجميع أن سعي إيران للحصول على السلاح النووي ليس ضد إسرائيل حتى وإن كان الإسرائيليون يغالطون ويدعون الخوف من سلاحها النووي إذ كلنا يعلم أنها تملك أضعاف أضعاف ما تحاوله إيران فضلا عن كون الغرب كله معها. هي تعده للعرب والاتراك والهنود من سنة الإسلام لا غير.وفهم ذلك أهم من محاولة تدخل تركيا مباشرة لأن ذلك لن يعيد الشعوب للسنة ذاتيا. لا بد من تجنب التدخل فالأمر يحصل بطبعه وبأخطاء إيران مثل حلفها مع أعداء أذربيجان أو مثل نتائج استعمارها للعراق أو لسوريا ولبنان واليمن. فالشعوب هي التي ستحرر نفسها من الاستعمار الصفوي وليس تركيا.ما ينتزع به قيادات الملالي أكثر من قراءة قصيد هو ما قام به النظام التركي من تجاوز العرقية والقومية التي هي جرثومة غربية وتمكين الاقلية الكردية في تركيا من حقوقها الثقافية والمساواة بين جميع الاثنيات وخاصة منذ أن شرع حزب اردوغان في تطبيق هذه السياسة رغم العلمانيين والقوميين دون أن يرغمهم على تغيير رؤاهم.فهذا السلوك السياسي الراشد هو الذي يحرر الإقليم من الصراع بين القوميات والطائفيات التي هي من أدوات أعداء الامة فيروسين استعملا لمنع فاعلية الرؤية الإسلامية التي تحددها الآية 13 من الحجرات حول التعارف بين الشعوب والقبائل لرفض العرقية عملا بالنساء 1 حول الأخوة: البشر من نفس واحدة.وهو السلوك الذي سيؤدي وظيفتين أولاهما ما يمكن اعتباره تكفيرا عما وقعت فيه الخلافة- رغم كل مزاياها التي ذكرت وخاصة حماية البيضة وحماية الإسلام ضد الاسترداديات-من الاعتماد على عسكرة متوحشة أفسدت قيم الجندية في الإسلام فجعلت الشرعية في خدمة الشوكة بدل العكس.صحيح أن ذلك كان أسلوب الحكم في غالب دول العالم. لكن الخلافة كان ينبغي أن تحافظ على قيم الإسلام في جعل الشوكة -عنفا شرعيا-بدلا من أن تصبح الشرعية تابعة للعنف كالحال في ما كان موجودا قبل الإسلام وفي الدول التي كانت تحاربه مثل الصليبيين والمغول والاستردادين والاستعمار في الغاية.واعتقد أن استراتيجية اردوغان الحالية بصدد التكفير إلى حد كبير عن هذا الخطأ الذي ساهم وخاصة بعد أن تعلمنت تركيا وصارت نخبها المسيطرة معجبة بالرؤية الفرنسية اليعقوبية فبدأ وحرر تركيا من ذلك إذ أنصف غيرهم دون أن يفقدهم خياراتهم في حياتهم الخاصة واكتفي بمنع فرضها على غيرهم وتلك رؤية الإسلام لأن الحسم في الخيارات العقدية بما فيها الدينية يؤجله القرآن إلى يوم الدين (البقرة 62 والمائدة 69)كما أنه في مساعدته لليبيا ولأذربيجان والصومال لا يقتصر على خدمة المصلحة التركية -وهذا طبيعي لأنه مؤتمن على مصالح بلاده قبل كل شيء-بل هو يساعدهم على بناء دولهم حتى تتحقق الندية بين شعوب الأمة فتكون قادرة على تكوين القوة المنتظرة بوصفها شرط الاستئناف الذي يقتضي شرطي الوزن المادي والمستوى الروحي.ففي عصر العماليق والعولمة لا يمكن للدول أن تكون ذات سيادة فعلية وليس اسمية من دون شرطين:• الاول أداة وهو القوة المادية أي الاقتصاد والتقدم العلمي• والثاني غاية وهو القوة الروحي أي الثقافة والتقدم الخلقي.وهذان هما ما يمثله الإسلام ثورة كونية توحد البشر للتعارف معرفة ومعروفا وتفاضل بينهم إلا بالتقوى.كثير من المغفلين يتصورن قوة الأمم المادية كافية. ولو كان ذلك كذلك لاستحال أن تحصل ثورات في تاريخ الإنسانية. فالأمم لا تتفاضل بقوتها المادية فحسب التي هي أداة الرعاية والحماية الذاتية بل لا بد أن تكون الرعاية والحماية لما هو أسمى من مجرد البقاء بل هما من أجل معاني الإنسانية.ومعاني الانسانية ليست معنى مستمد من الحداثة كما يزعم السخفاء بل هي مفهوم خلدوني أسسه في الفصل 40 من الباب الأخير من المقدمة عندما اعتبر فقدانها علته العنف في التربية والعنف في الحكم وهما حقيقة فساد السياسة بالمعنى الإسلامي لأن الإنسان كما يعرفه ابن خلدون “رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق