المقالات

تقديم كتاب:سوق بدون ليبرالية(إدريس مقبول)

الكاتب: يحيى اليحياوي

الكتاب: سوق بدون ليبرالية

دار النشر: إفريقيا الشرق

يأخذ علم الاقتصاد السياسي منزلته كما يقول ريتشارد ناثان هاس، من خلال ما يمدنا به من أدوات تساعدنا على فهم واستيعاب ما يجري خلف حركة الأسواق والأدوات المالية وسياسات التخطيط في المجتمعات من اختيارات ومن قيم، ومما يبدو في الظاهر مجرد تبادلات على مساحات الندرة أو الوفرة.

تكمن أهمية الاقتصاد السياسي في أنه الفرصة التي تتيح لنا تجاوز الأرقام المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية لفهم طبيعة الاحتكارات، كما يقول جوزيف ستيغلتز، التي تدفع إليها الرغبة في السيطرة على وسائل الإنتاج وتفقير المجتمعات، موازاة مع ما يصاحبها في العادة من توظيف للسلطة السياسية في تكريس السيطرة في مجالات الثروة واتخاذ القرار.

منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، كان هناك ميل شديد لدى كبار الاقتصاديين أمثال الفيلسوف الأخلاقي وعالم الاقتصاد الإسكتلندي آدم سميث، والفيلسوف البريطاني ديفيد ريكاردو، ورائد الليبرالية الكلاسيكية جون ستيورات ميل، لتعريف أنفسهم بأنهم اقتصاديون سياسيون، وذلك نظرا لوعيهم الدقيق باستحالة الفصل بين عالمي السياسة والاقتصاد وتداخلهما المعقد.

وفي هذا الكتاب الذي نشرف بتقديمه في مركز ابن غازي للدكتور يحيى اليحياوي، وهو أحد كبار المفكرين المغاربة التنويريين الذين يستعصون في الواقع على أي تصنيف مذهبي أو إيديولوجي ضيق، وذلك نظرا لثقافته الواسعة والعابرة للحدود ولمواقفه المبدئية، الجدلية والصارمة في القضايا التي يتناولها. فهو خبير في مجال الإعلام وهندسة المنصات، تخرج من المدرسة الوطنية العليا للبريد والاتصالات والفضاء بباريس، كما أنه أحد كبار المتخصصين المميزين بتحليلاتهم في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة الحديثة واقتصاد المعرفة، إذ حصل على الدكتوراه من جامعة محمد الخامس بالرباط في التدبير الاستراتيجي للمنظمات، كما أن أفكاره تشكل جزءا نابضا بالحيوية في المشهد الثقافي العام، سواء بالعربية أو بالفرنسية، وتعد كتبه ومؤلفاته الأكثر استقطابا في صفوف الباحثين في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية على حد سواء.

الدكتور يحيى اليحياوي

في هذا الكتاب يطالعنا الدكتور يحيى اليحياوي بحزمة من الأفكار التحليلية، التي تصلح كل واحدة منها أن تكون نواة لأطروحة أكاديمية تتسم بالجدية والعمق فضلا عن الجاذبية. فالرجل يميزه في كتاباته، التي لا تخلو من نقد متصل، حرصه على الدقة وتقديم الأدوات الضرورية لبناء الرؤية العلمية بعيدا عن أساليب الإنشاء المجاني. وهو يجسد في نظرنا من خلال هذه الرؤى المكثفة، حصيلة خبرة بميدان الاقتصاد السياسي الذي لا يكتفي بإجراء عمليات تشريح للبرامج الاقتصادية المغشوشة، ولما يسمى بخطط التنمية الوهمية، وإنما يذهب بعيدا عبر إثارة المفارقات والأسئلة إلى بناء أفق علاجي تصحيحي، إذ الرجل مؤمن بأن الفكر الحي والمسؤول هو الفكر اليقظ، الذي يوجه للحلول حين يباشر عمليات التفكيك ولا يقف عند تخوم النقد.

ما يميز عمل الدكتور يحيى اليحياوي هو شجاعته الفكرية ووقوفه في وجه توحش الليبرالية وأدواتها الريعية الفاسدة، وقوفه في وجه الداروينية الاجتماعية. وقد قام على طريقة مايكل جونستون في كتابه”متلازمات الفساد”، بعمليات وخز حادة لأنظمة الريع والفساد، وهو في دفاعه عن ديمقراطية السوق وحرية السوق وأخلاقيات السوق ومبدأ الشفافية والتنافسية، التي تدفع نحو مزيد من الإنتاجية وخلق الثروات، ينتصر للحلقة الأضعف في الأول والأخير، ينتصر للأخلاقي، ولاقتصاد اجتماعي حقيقي ذي طابع إنساني، يحمي الفقراء ويضمن لهم كرامتهم ونصيبهم من الثروة الوطنية، لاقتصاد يعطي الفرصة للفقراء من أجل أن ينتصروا أيضا على فقرهم ويصبحوا منتجين كذلك، وليس مجرد عالة أزليين على المجتمع.. فالفقر ليس قدَرا، وإنما سياسة انتهازية فاشلة، وخططا تنموية احتكارية وإقصائية.

في الختام نأمل في مركز ابن غازي، أن يكون نشرنا لهذا العمل مساهمة منا في مسار الإضافة النوعية للثقافة البانية، وإشعالا للوعي النوعي من أجل نهضة مجتمعية شاملة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق