المقالات

الرأسمالية وغزو الجوارح بشراسة(محمد الشرقاوي)

لم تعد الدعاية والتسويق يقتصران على صور مضيفة طيران ترّوج لمعجون الأسنان ببياض أسنانها، ولا الممثل جيمس دين يدخن سيجارة مارلبورو، أو أن شرب كوكاكولا يمنحك “طعم الجنة”. هما اليوم اقتحام آخر داخل حميمية الحواس وغرس العين والعقل وبقية الجوارح في دائرة المنتوج الذي تبيعه الشركة.

تظل الدعاية والتسويق العماد الذي يمكّن الرأسمالية من احتواء كافة الحواس، كما تفعل بعض المحال التجارية بإطلاق رائحة الشوكولاتة في فترة الأعياد، أو رائحة العطور قبل “عيد فالنتاين”. فأصبحنا مجرد ضفادع تجارب في مختبرات التسويق، وإنْ حاولتْ إعلانات بعض الشركات أن تدغدغ مشاعرنا بشعارات الرفاه وحق الفرد في المتعة، أو العزف على وتر بعض الحِكم أو القيم المثلى.تراجع دور الكتالوجات سميكةُ الحجم، وحلّت محلّها ملصقاتٌ وصورٌ حادة الوضع كالنبال الدقيقة تختزل لحظة النفاذ إلى انتباهك وانجرافك مع الفكرة قبل أن تنساق إلى اقتنائها وإن كانت من الكماليات الثانوية. ويكون الإعلان مصيدة نفسية وثقافية تقرَبُها فتقعُ في شباكها مزهو النفس منتصب القامة يمشي بطلا!

كم من منتوج اقتنيناه دون رويّة، ولم ننتبه إلى أننا حقيقة لا نحتاجه. وتطول القائمة في عد بقية المغريات التي لا تغير مستوى شقائنا أو حرماننا، وإن أعطتنا الانطباع بأن حق المرء على نفسه أن يصرف أكثر على نفسه وثيابه وعدد ساعاته، أو كثرة مجوهراتها ومساحيقها وعطورها وأحذيتها الشتوية والربيعية والصيفية والخريفية، وأحذية المشي والجري والتسوق والحفلات والسهرات وما بينهما.

التسويق محرك الرأسمالية. ومن دونه ستنهار هذه الرأسمالية الذكية والملحاحة. لكن حصافة عقولنا بئيسة وتنمّ عن قدر من الغباء النفسي والذهني معا عندما نبتسم ونندفع قطعاناً أدمية خلف بريق اللحظة التي تغزونا الاعلانات حتى أخمص قدمينا. نتوهّم أو نوهم أنفسنا أن عدم اقتناء ذلك المنتوج أو الخدمة يجعلنا أقل مستوى اجتماعيا من أقراننا وذوينا. فنخلق منافسة عناد وهمية وكأن العالم يتسابق على شراء تلك السيارة أو الهاتف الذكي أو الصرخة الجديدة من الأزياء.

كم نحن أغبياء في وجود ذكائنا، ومسرفون في ظل اذّخارنا وتخزين الفلس الأبيض لليوم الأسود. قد يرتفع مقامنا في الرزانة وبعد النظر، لكن نظل في متحف الألوان وتقنيات التصوير مجرد ضفادع بشرية تمشي طوعا إلى اللسعات الكهربائية وردة الفعل المنشودة!مجرد ضفادع بشرية تضحك وهي تفقد سيادتها وقرار أمرها، وتكذب على نفسها!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق