أخبار المركز

ندوة : تقديم كتاب “اختيارات و تجارب التنمية الريفية في المغرب، من التحديث الاستعماري إلى الإرادوية الوطنية”

في إطار أنشطته الرمضانية، نظم “مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية” يومه الثلاثاء 18 رمضان 1441 الموافق ل 12 ماي 2020 ندوة حوارية خصصت لقراءة في كتاب “اختيارات و تجارب التنمية الريفية في المغرب من التحديث الاستعماري إلى الإرادوية الوطنية” للدكتور ميلود الرحالي ، تسيير وتنسيق الدكتور هشام لعشوش الكاتب العام للمركز.

            عبر تقنية التواصل عن بعد، افتتح الدكتور لعشوش الندوة بترحيب حار بالمتابعين، ثم تقديم نبذة عن الكاتب وورقة تعريفية بالكتاب، وعرج على تذكير بالمركز ومجموع أنشطته العلمية والثقافية، وانتقل بعد ذلك إلى تعريف بالمتدخلين وفسح المجال للنقاش.

تناول الكلمة الأستاذ الدكتور حسن ضايض” أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب سايس/فاس، الذي اعتبر نفسه شريكا في الكتاب على اعتبار أن موضوع الكتاب هو جزء من أطروحة دكتوراه كان له شرف الإشراف عليها. كما أكد أن صاحب الكتاب استطاع اقتحام هذا المجال البكر في العديد من مواضيعه وقضاياه، وقد أصبح مختصا في الشؤون الريفية و المسألة الفلاحية بالمغرب. كما نوه الأستاذ ضايض بأن الكاتب أنجز عملا لم يسبقه إليه أحد في المغرب بهذا التكامل، ومن خلال اعتماده مقاربة نقدية لحاضر الفلاحة المغربية، وتوظيفه للجانب الفكري التنظيري المعتمد على التحري والدقة والانفتاح، منطلقا من  بيبليوغرافيا غنية جدا. كما أشار ضايض إلى أن الباحث استطاع التوليف بين أربعة محددات رئيسية وهي؛ التنظير والشرح والتحليل والتفسير، وقد اعتمد الكاتب، في نظر الأستاذ ضايض، منهجا واضحا صريحا في تعرية الواقع وتحديد المداخل الأساسية لإنصاف المجالات الريفية وتحقيق التنمية المستحقة.

وفي شق آخر من قراءته للكتاب، أبرز الأستاذ ضايض أربعة محددات تميز بها الكتاب واختص بها الكاتب:

المحدد الأول -حسب المتدخل دائما- فالكاتب يعتبر من خلال هذا الإصدار، منظرا للسياسات التنموية بالمغرب، وهو المجهود المعرفي الذي لا يزال غائبا في العديد من الإنتاجات العلمية، خاصة في الجغرافيا.    

في المحدد الثاني أوضح أن البحوث الأكاديمية يغلب عليها دائما التحليل و الشرح، لكن تفتقد في الكثير من الأحيان إلى التفسير، الذي يعطي للبحث قيمته العلمية، وهو ما انتبه إليه، ووظفه الدكتور الرحالي في أطروحته بصفة عامة.

ثم عنصر التقييم؛ الذي أدرجه حسن ضايض كمحدد ثالث، اعتبره من عناصر التوليف الأساسية، التي لم يتخل عنها الباحث طيلة فصول كتابه، من خلال تمكنه من تعرية واقع الفلاحة المغربية بشكل صريح في فترات زمنية مختلفة (قرن وما يزيد).

و المحدد الرابع و هو الكتابة؛ بحيث اعتبر أن لغة الكتاب كانت لغة جيدة وراقية، و تتميز بالفصاحة والوضوح.

و في الأخير نبه المتدخل أن الكتاب يطرح إشكاليات جريئة، ستبقى في حاجة إلى إجابات موسعة من قبيل:

  • من يتحمل مسؤولية إعداد مشاريع التنمية في الريف المغربي؟
  • من هم الفاعلون التاريخيون الذين يتحملون فشل مخططات التنمية في المغرب؟
  • من المستفيد الحقيقي من مخرجات هذه المخططات؟

في المداخلة الثانية، تناول الكلمة الأستاذ مصطفى السلماوي، الذي ركز على ثلاث نقاط أساسية :

  1. ورقة تقنية حول الكاتب و الكتاب: و قدم من خلالها تعريفا موجزا بالكاتب و مساره الدراسي، بحكم الصداقة الطويلة التي جمعته به، وما عرفه هذا المسار من عقبات ومنعرجات كانت لعصامية الكاتب دورا كبيرا في تجاوزها. و قدم نبذة مختصرة وورقة تقنية عن الكتاب.
  2. محتويات الكتاب: قام بجرد سريع لفصول الكتاب الثلاث من حيث الشكل و الحجم، و كذا المراجع التي اعتمد عليها. و خرج بخلاصة تقنية أن التوازن كان سمة هذه الفصول من حيث عدد الصفحات الموزعة بشكل عادل، مما يعطي انطباعا بدراية الكاتب العميقة بالتأليف و قواعده.
  3. قراءة في بعض مضامين الكتاب: استهلها بالإشارة إلى عنوان الكتاب، و بالضبط كلمة الإرادوية؛ التي اعتبرها مفتاحا يلمح منذ البداية إلى أن الكاتب ليست له النية في الاكتفاء بالرصد والتشخيص و تتبع سيرورة الحدث التاريخي ومآلاته، بل مقاربته بخلفية تصورية واضحة.

وفي حديثه عن مقدمة الكتاب،  أكد السلماوي أن الكاتب حاول بسط دوافع نشر الكتاب و الأهداف التي دفعته لإخراج هذا الجزء من أطروحته لحيز الوجود؛ وهو تقديم خدمة لطلبة الجغرافيا ولكل المشغلين والمعلمين بالتدخلات التنموية المهيكلة في المجالات الريفية المغربية، بالإضافة إلى بسطه لما يريده من فصول الكتاب من رصد و تفكيك لتحولات التدخلات التنموية في الأرياف المغربية.

ثم قام الأستاذ السلماوي بتقديم قراءة موجزة لبقية فصول الكتاب الثلاثة، منهيا مداخلته بالتوجه بالشكر للمؤسسة الساهرة، و مهنئا الكاتب على هذا العمل المتفرد.

ثم تناول الكلمة بعد ذلك الاستاذ. سليمان الزوير الذي قدم عرضا حول الكتاب بدون الخوض في تفاصيل مضامينه، و حاول مقاربة مضمونه في علاقته بالإشكالية المركزية للأطروحة، و استهل هذه المداخلة بتوطئة قارن فيها بين عنواني الكتاب: ” اختيارات و تجارب التنمية الريفية في المغرب من التحديث الاستعماري إلى الإرادوية الوطنية” و الأطروحة: ” مائة سنة من التنمية الريفية في المغرب، استمرارية الثابت و نسبية التحول” وبين فصول الكتاب الثلاثة:

الفصل الأول: أرياف ما قبل الحماية، محاولات الإصلاح و استراتيجيات الفاعلين

الفصل الثاني: النموذج التنموي الاستعماري: السياق و الآليات و الأدوات و التداعيات

الفصل الثالث: النموذج التنموي الوطني بين شعار الثورة الزراعية و أولوية الاندماج الدولي

و خلص إلى أن هناك تباعد زمني بين العنوانين و ما قاربه من مواضيع في فصول الكتاب، مقدرا أن الفصل الأول لا علاقة له بالعنوانين الرئيسيين، على اعتبار أنه يتناول بالتحليل فترة ما قبل الحماية، في حين أن عنوان الأطروحة محدد في مائة سنة الأخيرة، و عنوان الكتاب محدد أيضا زمنيا بشكل غير مباشر منذ فرض الحماية، و ليس قبلها.

            لكنه يعود ويؤكد أن الكاتب و هو يدرج هذا الفصل منذ البداية، كان في الحقيقة يوظف – وبذكاء- فترة زمنية ثالثة، في علاقتها بالتنمية الريفية، لفهم الإشكالية الرئيسية لموضوعه بشكل جيد، مستعينا بكثافة المعطيات التاريخية لفترة ما قبل الحماية الفرنسية، ليعضد بها زاوية نظره فيما يخص التنمية الريفية في الفترة نفسها، و في الفترات اللاحقة. و لبس لبوس المؤرخ الاجتماعي الذي يوظف التاريخ و لا يكتفي به، بل لا يرى جدوى منه إلا بتقاطعاته مع مختلف العلوم الإجتماعية، و هي السمة الغالبة -في نظر المتدخل- على مختلف مراحل البحث الكبرى.

و يخلص في الأخير، إلى أن الكتاب له من الراهنية ما يؤهله ليكون بوصلة لكل باحث في موضوع التنمية المجالية الريفية.

في المداخلة الرابعة تناول الكلمة الأستاذ يونس مجدوبي، الذي أكد أن موضوع الكتاب “التنمية الريفية” هو موضوع له راهنيته على مستوى الشأن العام و النقاش العمومي، و هو كتاب يقدم قراءة نقدية بوعي منهجي موسع، بحيث نجد الكاتب استعمل منهجا متميزا للدراسة، و القضايا التي تناولها بهذا المنهج مدعاة لتخصصات متعددة. و هناك محددات كثيرة ترفع من قيمة هذا العمل:

  1. موضوع الكتاب؛ هو مادة معرفية بطبيعتها، تفتح المجال للنهل من مجموعة من الحقول المعرفية المختلفة.
  2. القضية التي يناقشها الكتاب ” التنمية الريفية” هي قضية من قضايا الوطن الكبرى، تطرح إشكالات مركبة على الصعيد الوطني، و خلفت نتائجها أعطابا ممتدة في الزمان و في البنيات الاجتماعية.
  3. اعتماد الكاتب على مقاربة تستحضر المجال القروي في بعده الدينامي، فالتطورات التي يعرفها العالم القروي في المغرب، بعثرت العديد من الأدوات المفاهيمية المتعارف عليها في البحوث التقليدية.
  4. الكتاب يستمد أهميته من اعتماده على النقد المتعدد الأبعاد، الذي استعمله الكاتب في تناول موضوع التنمية القروية بالمغرب الذي استمر لقرون عديدة، و ساهم في إعادة إنتاج البنيات المجتمعية لمغرب القرن التاسع عشر و القرن العشرين.
  5. الكتاب هو نموذج مهم لدراسة المجتمعات المحلية، و يتموضع في سياق تجاوز الإستوغرافية الجامعية، على النحو الذي تظهر به في الدراسات الأساسية من رسائل و أطروحات ذات البناء التقليدي، و إخراج البحث الجغرافي من التناول المعطياتي، و التناول الأرشيفي، و فتحه على التفسير، و الانفتاح على العلوم الاجتماعية الأخرى.

في ختام الندوة، وفي عجالة سريعة، تناول الكلمة صاحب الكتاب الدكتور ميلود الرحالي الذي شكر مركز ابن غازي على مبادرته المهمة وفسحه المجال لتناول كتاب له راهنيته الواضحة، كما شكر الكاتب الأساتذة الذين أغنوا هذه الحلقة العلمية  بملحوظات غاية في الدقة حول الكتاب. ثم انتقل بعد ذلك باقتضاب إلى التجاوب مع بعض القضايا التي تمت إثارتها في النقاش ومنها:

  • الالتباس الذي يمكن أن يحصل للقارئ الذي لم يطلع على طبيعة المنهج المعتمد في الكتابة (المنهج النقدي) الذي يرتكز على خصيصة القراءة المتقاطعة والعابرة للتخصص بما يسمح بالنظر إلى الظواهر في تكاملها واتساعها وتحولاتها؛
  • فيما يخص الحدود الزمنية المتمثلة في قرن، والتي تجاوزها الكتاب، أكد الكاتب أن المسألة استعملت بوعي لعدة اعتبارات، منها ما هو تجديدي في القراءة التاريخية للظاهرة التنموية في الأرياف المغربية، حيث يتم تجاوز مرحلة ما قبل الحماية باعتبارها مرحلة جمود وتقليد متجاوزة، أو أنها مرحلة ما قبل التاريخ التنموي للمغرب، في حين أن الكاتب يعتبرها مرحلة مهمة تميزت بالعديد من المقومات التي يتم الرجوع إليها اليوم لتثمينها وتحصين ما تبقى منها، كما أبرز الكاتب أن بعض الدرايات وطرق التهيئة والإعداد والشروط الاجتماعية (التضامن الاجتماعي)، كانت بمثابة نقط قوة مميزة للقبيلة في المغرب، والتي لا ينبغي تجاوزها التزاما بالأطروحات والمقاربات الكلاسيكية التي تعتبر زمن القبيلة جمودا وتقليدانية وعقبة في وجه التنمية؛
  • بخصوص قضايا الكتاب، ذكر الكاتب أن الكتاب يتميز بإثارته لقضايا التنمية باعتبارها مشروعا حضاريا أولا وقبل كل شيء، وليس حزمة مؤشرات أو برنامجا جامدا مكونا من لائحة تفصيلية لمشاريع انتخابية أو غيرها، وبالتالي على البحث في قضايا التنمية الاجتهاد في تحديد المربع الحضاري الذي ينبغي أن يوجه التدخل في الأرياف، لأنه في غياب ذلك يستحيل تمكين الريفيين من مجالهم وتحقيق التنمية في مجال ومجتمع جذير بها له خصوصياته وتاريخه وهويته وأنماط عيشه الخاصة.   
  • كما ثمن الباحث الجهود النقدية للمتدخلين، وأوضح من جهته أن الكتاب هو جزء من مشروع علمي ومعرفي أكبر يخوضه الباحث بصرامة علمية واضحة صحبه بعض نظرائه من المهتمين بالمسألة الريفية وقضايا التنمية في هذه المجالات.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق