المقالات

الإصلاح الفكري والتعليمي عند أحمد بن المواز الفاسي(عز الدين النملي وأخ العرب عبد الرحيم)

ابن المواز النشأة والمسار:

1-1-  النشأة:

هو أحمد بن الشيخ عبد الواحد بن محمد الحسني السليماني، ولد عام 1279ه/1862م (تقريبا)،تلقى العلم على يد والده الفقيه المشارك عبد الواحد المواز(ت 1318ه/1900أو1901م)، وكان قاضيا وفقيها وأديبا. وأيضا على يد الشيخ محمد بن محمد(فتحا) بن المدني كنون(ت 1302ه)، وعلى يد أحمد بن الطالب بن سودة (ت1321ه)، وعلى يد عبد المالك بن محمد العلوي الضرير (ت1318ه)، ومحمد صالح بن المعطي التدلاوي شهرة و(السوسي) أصلا (ت1307ه)، وغيرهم من أعلام العصر. توفي ابن المواز الفاسي يوم الخميس 13 صفر عام واحد وأربعين وثلاثمائة وألف (1341ه)/ الموافق لــــ (م1922) ، ودفن بفاس.

1-2- المسار والتجربة:

يعتبر الشيخ العلامة أحمد بن عبد الواحد الحسني السليماني بن المواز الفاسي من ألمع الشخصيات المتألقة بالمغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومن طليعة علماء النهضة بالمغرب، ولقد نال مكانة رفيعة وتقلد مناصب مهمة في الدولة المغربية، وخلف مؤلفات همت الأدب والتاريخ والعلوم الدينية والفكرية (الفلسفة وعلم الكلام)، وأيضا المجالات التربوية.

1-2-1- الانتاج الفكري:

ساهم في حركة التأليف المغربي بمؤلفات تربو عن ثلاثة عشر من بينها:

– حجة المنذرين على تنطع المنكرين(1338ه/1919م) .

– دفع الوسواس عن مخالجة الأنفاس، أجاب فيه عن أسئلة العالم المغربي الرافعي الستة حول الحكمة والفلسفة والفكر.

– اللؤلؤ السني في مدح الجناب الحسني، في مدح الحسن الأول، طبع على الحجر (1307ه/1889م.

– رسالة نيل الأرب في بيتي العقل والأدب، أشار إليه عبد الله الجيراري، دعوة الحق،ع6 و7/1968.

– رحلة مراحل السنية للأصقاع السوسية، رافق فيها مولاي الحسن العلوي سلطان المغرب والحسن الأول.

– خطوة الأقلام في التعليم والتربية في الإسلام (1336ه/1918م).

– مقامة النفائس الابريزية في هدية الفيل الوافدة من فخامة الخضرة الإنجليزية (1304ه/1886م).

– الطليعة الجلية على نظم الدلالة الكلية في الأحكام الفلكية(1328ه/1910م).

1-2-2- الشخصية والتجربة:

تقلد أحمد بن المواز وظائف علمية ومخزنية سامية أيام الدول الأربع- الحسنية والعزيزية والحفيظية واليوسفية- وانتقل من الكتابة لعاملي فاس ابن الطالب وخليفته السراج إلى العمل الديبلوماسي حيث عين رئيسا للسفارة المغربية بمدريد سنة 1909م. ثم عضوا بالمجلس التحسيني لكلية القرويين، بعد ذلك تولى منصب قاضي القضاة، وأخيرا تولى رئاسة المجلس الاستينافي القضائي بالرباط (31  أكتوبر1912م) الذي استوطنه ومات فيه.

  لقد ساهم تقلد المناصب والسفر إلى الخارج في إغناء تجربة أحمد بن المواز الشخصية والفكرية، وتنشيط الحركة الفكرية والعلمية بالمغرب إلى جانب ثلة من العلماء أمثال: أبي شعيب الدكالي، وعبد الحي الكتاني وغيرهم ممن تأثر بهم عندما كان بالقرويين مرحلة الحماية أمثال العالم السلفي عبد الله بن ادريس السنوسي المتأثر بدعوة وفكر محمد عبده (1849ه/1905م) في المشرق.

  ذلك التأثير دفعه إلى الانخراط في جمعية سرية تسمى ” جماعة لسان المغرب” ذات الرؤية السلفية التي ترى أن الدين الاسلامي صالح لكل  الأزمنة والأمكنة مهما تبدلت واختلفت، وقادر على مواكبة مستجدات الأمور والاحاطة بها. ولقد كانت خطبه بالمدرسة العنانية منبرا لبث أفكاره الاصلاحية.

 تعد سفاريته بمدريد سنة 1909م، وسفاريته بباريز زمن حكم السلطان الحسن الأول، مرحلة مهمة في تكوين شخصية أحمد بن المواز التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة، لأن مشاهداته بإسبانيا وفرنسا قللت من حدة مناهضته للاستعمار، وأشبعت فكره بالمنحنى التحديثي، وبالاهتمام بالعلوم العقلية- إلى جانب العلوم النقلية- وبدورها في تقدم المغرب وبناء نهضته الفكرية، متجاوزا حدة مفهوم ثنائية (دار الكفر/ ودار الاسلام) أو (دار الحرب/ ودار السلام)، التي كانت تسيطر على القرارات النهضوية الحاسمة في الدول الاسلامية. وبفضل تلك الرحلات والسفاريات لانت مواقفه اتجاه الغرب (أروبا)، وزاد من تلك الليونة فشل  أفكار وسياسة الاصلاح التي تبنتها الحركة “الحفيظية” في انقاد البلاد من الأزمة، مما عجل بتوقيع عقد الحماية في 30 مارس1912م.

    2-  الاصلاح الفكري والتربوي بين العقل والنقل:

2-1-  الاصلاح الفكري:

   برهن أحمد بن المواز عن باع طويل في العلم ومقدرة فائقة في قرع المعرفة، ومطارحة المسائل العلمية، وهذا ينم عن براعته وسعة علمه وتنوع مداخل فكره والمتمثلة في كتابة كتب الفقه والشعر والتاريخ والرحلات، والتي توزعت بين تأليف وشرح ورد وتقريض. وهذا يؤكد مشاركته في النهضة الاصلاحية الفكرية، إلى جانب ثلة من علماء عصره مثل العلامة والفيلسوف أبو عبد الله محمد (فتحا) بن أحمد الرافعي الأزموريالجديدي (ت 1360ه)، ومؤرخ الرباط وأديبها محمد بن مصطفى بوجندار  (ت1345 ه)، والعباس بن براهيم الشملالي (ت1378ه).

لقد ظهر المشروع الإصلاحي (الموازي) من خلال اهتماماته الفكرية وتأليفاته وردوده التي تؤمن بضرورة الجمع بين العقل والايمان، ومن بين هذه المؤلفات رسالته المطبوعة بالقلم الفاسي والمعنونة ب”نيل الأرب في بيتي العقل والأدب”، ورسالته” دفع الوسواس عن مخالفة الأنفاس” التي أجاب فيها عن ستة أسئلة شائكة في الفلسفة وعلم الكلام تدخل في نطاق ما يسمى بـ(الاعتبارات العقلية): وهي (الموجود/ الممكن/ تركيب الأجسام وتناهيها/ الماهية/ الجوهر/ العدم والامتناع/ الوجوب/ المعرفة الالاهية/ معرفة الذات العلية بالكنه..). ومن بين أهم المحطات التنويرية والاصلاحية نجد السجال الذي دار بين أحمد بن المواز الفاسي وبين أبي عبد الله محمد بن الحسن الحجوي، حول قضية التعليم الديني والمدرسي.

قال بن المواز في مخطوط (خطوة الأقلام…) في المقامة الأولى:

– الشريعة الاسلامية هي قانون الطبيعة والفطرة (الغريزة والشهوات والأغراض والميولات والنوازع) وصمام الأمان لإدراك غايات تدخل في علم ما وراء العقل.

وأكد في المقامة الثانية على:

– وجوب التربية لأفراد النوع الانساني، ووجوب تدريس قوانين الشريعة الاسلامية لأن مصالحها وأحكامها مناسبة لكل زمان ومطابقة لكل حال ولكل عقل سليم. وهي تقوم على أمرين: حرية الفكر واستقلال الارادة، وهي جامعة للعلم والعمل والذوق والعقل والبرهان والايمان (الاذعان) والفكر والوجدان، وبفضلها نشأت المدنية والحضارة ونهضت الهمم للمعارف، ولها سبق فضل على أروبا ونهضتها في القرن السادس عشر المسيحي.

  يثبت هذا القول حرص أحمد بن المواز الفاسي على وجوب التعليم عامة -والشريعة خاصة- للذكور والاناث، وهذا ينم عن حقيقة مفادها لا يصلح أمر المرء إلا بما صلح به أوله (السلف)، وهذا نفس من أنفاس التوجه السلفي الذي كان سائدا في المغرب ويعد مدار سعادتهم وصلاح أمرهم في الدارين.

وقال في المقامة الثالثة:

– يحتاج التعليم الاسلامي إلى تأسيسه على صحة الاعتقاد الديني، وذلك من أجل تحصين المتعلم لحظة تمرنه على علم الطبيعة لكي لا يتحول وينقلب علمه جهلا بوجود الله وحكمته في خلقه ومخلوقاته.

وقال في المقامة الرابعة:

– إن ثمرة النظر في الكائنات هو تحصيل نتائجها وإخراجها من القوة إلى الفعل حتى تكون العلوم مصحوبة بالأعمال، ولن يتحقق ذلك إلا بالتربية الدينية والأخلاقية أولا أي بحسن الأدب. لأن الاصلاح العصري هو تربية النفوس على إصلاح نظام الاجتماع البشري أدبا وتهذيبا ومروءة، والتطبع على الصدق والنصيحة، وخلع الأوهام المنافية للدين والترقي في المعارف مع ثبات ويقين.

أما في المقامة السابعة فأكد فيها على:

– القيمة العلمية للعلوم المقصودة بالذات والمتمثلة في العقائد والشرعيات والعلوم العقلية والحكمية وعلم التصوف وعلم الفلسفة (العلم الالاهي مجرد من المادة/ العلم الرياضي في الذهن فقط/ العلم الطبيعي مقيد بالمادة) لأنها في نظره تزيد صاحبها تمكنا وملكة وايضاحا، أما العلوم الآلية مثل علوم العربية، وعلوم المنطق (الذهن مطلقا)، وعلم أصول الفقه فهي وسيلة لغيرها، وهي فرض كفاية، وليست فرض متعين كسابقاتها.

ولقد وافق ما جاء في المقامة الثامنة ما ورد في المقامة السابعة بقوله: “إن العلوم العقلية من حكمة وطبيعية وفلك واجبة على الأمة في هذه الأزمنة فإن تركتها وهجرتها عذب بها اله عليها مرتين: مرة في الدنيا ومرة في الآخرة، فعلى تركه الامتثال ممن لهم قدرة وقصروا في الأعمال، وأما في الدنيا فبالنقص من الأموال بسبب تركه الطبيعيات المعينة على اقتنائها كالزراعة والتجارة وعلم المعادن وعلوم الصنائع، وبالنقص في الأنفس بتركه العلوم الطبية، وبالنقص من الثمرات بتركه جميع العلوم حتى الفلكيات، طبق ما تضمنته آية الابتلاء (بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات…). نستشف من قول أحمد بن المواز أن بذهاب العلوم تذهب الدول، وتنتفي المدنية، وبذهاب تدريس العلوم للبنين والبنات تنتفي التنمية البشرية والحضارية والعمرانية.

 ولقد ناقش أحمد بن المواز أفكار (الحجوي) التي كان يحرص فيها على الثقافة العربية فقط، والعلوم الدينية، مع منع البنات من التعليم بعد المرحلة الابتدائية. فأنشأ فصلا في كتابه(خطوة الأقلام….) أسماه: الخاتمة الإنصافية في فضل التعاليم الفرنساوية، والتي يقول فيها: “يبدؤون بتعليم التلاميذ القراءة في كتب ذات حروف هجائية عظيمة الأشكال، ثم بعد ذلك تعليم عدة ألفاظ لغوية من أسماء المفردات والأفعال ثم تعليمهم عدة جمل وتراكيب سهلة التعقل، ثم تعليمهم الأسماء بصورها المرسومة، ثم تعليمهم نبذة مفيدة في كيفيةسلوك الصغار وطاعتهم للوالدين ونحو ذلك، ثم ينتقلون لعلم الحساب، ثم بعده ما هو أهم، ويأخذون في تعليم النحو الفرنسي وغيره ويقسمون الزمان على دروس الانسان، فيكون في الصباح مثلا تعلم التاريخ، ثم بعده درس في التصوير عند معلم الرسم، ثم بعده درس في النحو، ثم بعده درس تقويم البلدان، ثم بعده درس الكتابة مع معلم الخط، ثم ينتقل كل فريق لقراءة ما استعدت له قابليته أو اقتضى النظر العام تكليفه بقراءته. وأما علماؤهم (فهم يعتنون زيادة على ذلك بفرع مخصوص، وكشفهم كثيرا من الأشياء، وتجديدهم فوائد غير مسبوقين بها، فإن هذه عندهم هي أوصاف العالم، وليس عندهم كل مدرس عالما ولا كل مؤلف ماهرا…وكان عندهم أن لا يزوجوا أولادهم قبل التعلم، وكانت مدة كفاية المتعلم من القراءة إلى أن يبلغ درجة التدريس عشرين سنة فأكثر، ويسمى سن النجابة”.

  يبرز هذا المقطع استراتيجية تعليمية – تعلمية تعتمد في تدبير التعلمات على عمليات تربوية وبيداغوجية و ديداكتيكية تتخذ من مفهوم وخطة (التربية المحايثة) محور فلسفتها، والتي تسعى إلى إدماج كل فئات المجتمع في التنمية وصناعة المستقبل. ولقد عملت الدولة على الترخيص للأكاديميات والجمعيات المهنية والعلمية والصناعية والزراعية واللغوية والمدنية والعسكرية والصحية، والمكاتب التعليمية لتعليم العلوم والفنون والزراعة النظرية والعملية، ومكاتب تعليم الصم البكم من سن عشرة إلى ستة عشر عاما. يتعلمون فيها القراءة والكتابة والحساب والتاريخ والجغرافيا وصنعة من الصنائع، ومنها مكتب العميان وهو موقوف على جملة محصورة من العميان فيتعلمون القراءة بحروف يسمونها باليد(براي) والجغرافيا بخريطات كذلك مع تعليم اللغات والرياضيات والموسيقى.

   وتعد تلك الكوليجات والمدارس والمكاتب والمجامع العلمية والجمعيات التعليمية، والمكتبات والخزائن العلمية تعين على التقدم فكلما كثرت علا شأن الدولة وتقوت شوكتها، ووصلت الدولة في مناهج الترقي نهايتها، وبلغت العلوم فيها غايتها.

تتسم طبيعة الاصلاح عند أحمد بن المواز الفاسي بالمزاوجة بين الدين والعلم والفلسفة، والحداثة والتقليد، ولقد امتدت غايته الاصلاحية إلى مجموعة من القضايا والنوازل وتتمثل في رده في الجزء الأول من كتابه “حجة المنذرين عن تنطع المنكرين”على نهي عبد الله محمد بن الحسن الحجوي عن القيام لذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الاحتفال به والقيام عند ذكر ولادته. و بالإضافة إلى ذلك فقد تناول في الجزء الثاني من الكتاب بالفحص والتحليل قضايا مالية وطبية وعمرانية وشرعية مثل:

– حوالة المرتب (المانضة).

– تلقيح الصغار ضد الجذري.

– عملية تشريح الموتى.

– نبش المقابر للبناء الاختياري وما إليه.

– الزكاة في الأوراق المالية.       

مصادر ومراجع للتوسع

–  أحمد بن عبد الواحد المواز الفاسي، خطوة الأقلام في التعليم والتربية في الاسلام، نسخة الخزانة الحسنية تحت رقم 12394/2 ضمن مجموع بخط مغربي.

– عبد الله الجيراري، من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا، ط1، 1391ه/1971م، وطبعة الأمنية الرباط.

– سمير أيتأومغار، أحمد بن المواز ومشاهداته في العاصمة الفرنسية باريس، مجلة أمل، العدد51، سنة2018م، من ص 105 إلى ص 121(البيبليوغرافيا والتاريخ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق